تصديق القرآن الذي أنذرهم به وأنه موحى به من عند الله.
فالتفريع هنا تفريع معنى وتفريع ذكر معا ، وقد جاء تفريع القسم لمجرد تفريع ذكر كلام على كلام آخر كقول زهير :
فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله |
|
رجال بنوه من قريش وجرهم |
عقب نسيب معلقته الذي لا يتفرع عن معانيه ما بعد القسم وإنما قصد به أن ما تقدم من الكلام إنما هو للإقبال على ما بعد الفاء ، وبذلك يظهر تفوق التفريع الذي في هذه الآية على تفريع بيت زهير.
ومعنى : (لا أقسم) : إيقاع القسم ، وقد عدّت (لا) زائدة ، وتقدم عند قوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) في سورة الواقعة [٧٥].
والقسم مراد به تأكيد الخبر وتحقيقه ، وأدمج فيه أوصاف الأشياء المقسم بها للدلالة على تمام قدرة الله تعالى.
و (الخنّس) : جمع خانسة ، وهي التي تخنس ، أي تختفي ، يقال : خنست البقرة والظبية ، إذا اختفت في الكناس.
و (الجواري) : جمع جارية : وهي التي تجري ، أي تسير سيرا حثيثا.
و (الْكُنَّسِ) : جمع كانسة ، يقال : كنس الظبي ، إذا دخل كناسه (بكسر الكاف) وهو البيت الذي يتخذه للمبيت.
وهذه الصفات أريد بها صفات مجازية لأن الجمهور على أن المراد بموصوفاتها الكواكب ، وصفن بذلك لأنها تكون في النهار مختفية عن الأنظار فشبهت بالوحشية المختفية في شجر ونحوه ، فقيل : الخنّس وهو من بديع التشبيه ، لأن الخنوس اختفاء الوحش عن أنظار الصيادين ونحوهم دون سكون في كناس ، وكذلك الكواكب لأنها لا ترى في النهار لغلبة شعاع الشمس على أفقها وهي مع ذلك موجودة في مطالعها.
وشبه ما يبدو للأنظار من تنقلها في سمت الناظرين للأفق باعتبار اختلاف ما يسامتها من جزء من الكرة الأرضية بخروج الوحش ، فشبهت حالة بدوّها بعد احتجابها مع كونها كالمتحركة بحالة الوحش تجري بعد خنوسها تشبيه التمثيل. وهو يقتضي أنها صارت مرئية فلذلك عقب بعد ذلك بوصفها بالكنّس ، أي عند غروبها تشبيها لغروبها بدخول الظبي أو