دلّ عليه قوله : (عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ) فيجوز تعلق الظرف ب (مُطاعٍ) وهو أنسب لإجراء الوصف على جبريل ، أي مطاع في الملأ الأعلى فيما يأمر به الملائكة والنبيصلىاللهعليهوسلم مطاع في العالم العلوي ، أي مقرّر عند الله أن يطاع فيما يأمر به.
ويجوز أن يتعلق ب (أَمِينٍ) ، وتقديمه على متعلّقه للاهتمام بذلك المكان ، فوصف جبريل به ظاهر أيضا ، ووصف النبي صلىاللهعليهوسلم به لأنه مقررة أمانته في الملأ الأعلى.
والأمين : الذي يحفظ ما عهد له به حتى يؤدّيه دون نقص ولا تغيير ، وهو فعيل إما بمعنى مفعول ، أي مأمون من أمنه على كذا. وعلى هذا يقال : امرأة أمين ، ولا يقال : أمينة ، وإما صفة مشبهة من أمن بضم الميم إذا صارت الأمانة سجيته ، وعلى هذا الوجه يقال : امرأة أمينة ، ومنه قول الفقهاء في المرأة المشتكية أضرار زوجها : يجعلان عند أمينة وأمين.
(وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٢٢))
عطف على جملة : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) [التكوير : ١٩] فهو داخل في خبر القسم جوابا ثانيا عن القسم ، والمعنى : وما هو (أي القرآن) بقول مجنون كما تزعمون ، فبعد أن أثنى الله على القرآن بأنه قول رسول مرسل من الله وكان قد تضمن ذلك ثناء على النبي صلىاللهعليهوسلم بأنه صادق فيما بلغه عن الله تعالى ، أعقبه بإبطال بهتان المشركين فيما اختلقوه عن النبي صلىاللهعليهوسلم من قولهم : (مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ) [الدخان : ١٤] وقولهم : (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) [سبأ : ٨] ، فأبطل قولهم إبطالا مؤكدا ومؤيدا ، فتأكيده بالقسم وبزيادة الباء بعد النفي ، وتأييده بما أومأ إليه وصفه بأن الذي بلّغه صاحبهم ، فإن وصف صاحب كناية عن كونهم يعلمون خلقه وعقله ويعلمون أنه ليس بمجنون ، إذ شأن الصاحب أن لا تخفى دقائق أحواله على أصحابه.
والمعنى : نفي أن يكون القرآن من وساوس المجانين ، فسلامة مبلّغه من الجنون تقتضي سلامة قوله عن أن يكون وسوسة.
ويجري على ما تقدم من القول بأن المراد ب (رَسُولٍ كَرِيمٍ) [التكوير : ١٩] النبي محمد صلىاللهعليهوسلم أن يكون قوله : (صاحِبُكُمْ) هنا إظهارا في مقام الإضمار للتعريض بأنه معروف عندهم بصحة العقل وأصالة الرأي.
والصاحب حقيقته : ذو الصحبة ، وهي الملازمة في أحوال التجمع والانفراد