للمؤانسة والموافقة ، ومنه قيل للزوج : صاحبة وللمسافر مع غيره صاحب ، قال امرؤ القيس:
بكى صاحبي لمّا رأي الدّرب دونه
وقال تعالى حكاية عن يوسف : (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ) [يوسف : ٣٩] ، وقال الحريري في «المقامة الحادية والعشرين» : «ولا لكم مني إلا صحبة السفينة».
وقد يتوسعون في إطلاقه على المخالط في أحوال كثيرة ولو في الشر ، كقول الحجاج يخاطب الخوارج : «ألستم أصحابي بالأهواز حين رمتم الغدر ، واستبطنتم الكفر». وقول الفضل اللهبي :
كلّ له نيّة في بغض صاحبه |
|
بنعمة الله نقليكم وتقلونا |
والمعنى : أن الذي تخاصمونه وتكذبونه وتصفونه بالجنون ليس بمجنون وأنكم مخالطوه وملازموه وتعلمون حقيقته فما قولكم عليه : «إنه مجنون» إلا لقصد البهتان وإساءة السمعة.
فهذا موقع هذه الجملة مع ما قبلها وما بعدها ، والقصد من ذلك إثبات صدق محمدصلىاللهعليهوسلم ، ولا يخطر بالبال أنها مسوقة في معرض الموازنة والمفاضلة بين جبريل ومحمد عليهماالسلام والشهادة لهما بمزاياهما حتى يشم من وفرة الصفات المجراة على جبريل أنه أفضل من محمدصلىاللهعليهوسلم.
ولا أن المبالغة في أوصاف جبريل مع الاقتصاد في أوصاف محمد صلىاللهعليهوسلم تؤذن بتفضيل أولهما على الثاني.
ومن أسمج الكلام وأضعف الاستدلال قول صاحب «الكشاف» : «وناهيك بهذا دليلا على جلالة مكانة جبريل عليهالسلام ومباينة منزلته لمنزلة أفضل الإنس محمد صلىاللهعليهوسلم إذا وازنت بين الذّكرين وقايست بين قوله : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) [التكوير : ١٩ ، ٢٠] ، وبين قوله : (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) ا ه.
وكيف انصرف نظره عن سياق الآية في الرد على أقوال المشركين في النبيصلىاللهعليهوسلم ولم يقولوا في جبريل شيئا لأن الزمخشري رام أن ينتزع من الآية دليلا لمذهب أصحاب الاعتزال من تفضيل الملائكة على الأنبياء ، وهي مسألة لها مجال آخر ، على أنك قد علمت أن الصفات التي أجريت على (رَسُولٍ) في قوله تعالى : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ)