كما بلغه ، أي أن ما بلّغه هو الغيب لا ريب فيه ، وعكسه قولهم : ائتمنه على كذا.
(وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (٢٥))
عطف على : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) [التكوير : ١٩] ، وهذا رجوع إلى ما أقسم عليه من أن القرآن قول رسول كريم ، بعد أن استطرد بينهما بتلك المستطردات الدالة على زيادة كمال هذا القول بقدسية مصدره ومكانة حامله عند الله وصدق متلقيه منه عن رؤية محققة لا تخيل فيها ، فكان التخلص إلى العود لتنزيه القرآن بمناسبة ذكر الغيب في قوله تعالى : (وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) [التكوير : ٢٤].
فإن القرآن من أمر الغيب الذي أوحي به إلى محمد صلىاللهعليهوسلم ، وفيه كثير من الأخبار عن أمور الغيب الجنة والنار ونحو ذلك.
وقد علم أن الضمير عائد إلى القرآن لأنه أخبر عن الضمير بالقول الذي هو من جنس الكلام إذ قال : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) [التكوير : ٢٥] فكان المخبر عنه من قبيل الأقوال لا محالة ، فلا يتوهم أن الضمير عائد إلى ما عاد إليه ضمير : (وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ).
وهذا إبطال لقول المشركين فيه أنه كاهن ، فإنهم كانوا يزعمون أن الكهان تأتيهم الشياطين بأخبار الغيب ، قال تعالى : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) [الحاقة : ٤١ ـ ٤٢] وقال : (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ) [الشعراء : ٢١٠ ، ٢١١] وقال : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) [الشعراء : ٢٢١ ، ٢٢٢] وهم كانوا يزعمون أن الكاهن يتلقى عن شيطانه ويسمون شيطانه رئيّا.
وفي حديث فترة الوحي ونزول سورة والضحى : أن حمالة الحطب امرأة أبي لهب وهي أم جميل بنت حرب قالت للنبي صلىاللهعليهوسلم : «أرى شيطانك قد قلاك».
و (رَجِيمٍ) فعيل بمعنى مفعول ، أي مرجوم ، والمرجوم : المبعد الذي يتباعد الناس من شره فإذا أقبل عليهم رجموه فهو وصف كاشف للشيطان لأنه لا يكون إلا متبرّأ منه.
(فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦))
جملة : (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) معترضة بين جملة : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) [التكوير : ٢٥] وقوله : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) [التكوير : ٢٧].