والفاء لتفريع التوبيخ والتعجيز على الحجج المتقدمة المثبتة أن القرآن لا يجوز أن يكون كلام كاهن وأنّه وحي من الله بواسطة الملك.
وهذا من اقتران الجملة المعترضة بالفاء كما تقدم في قوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) في سورة عبس [١٢].
و (أين) اسم استفهام عن المكان. وهو استفهام إنكاري عن مكان ذهابهم ، أي طريق ضلالهم ، تمثيلا لحالهم في سلوك طرق الباطل بحال من ضل الطريق الجادة فيسأله السائل منكرا عليه سلوكه ، أي اعدل عن هذا الطريق فإنه مضلة.
ويجوز أن يكون الاستفهام مستعملا في التعجيز عن طلب طريق يسلكونه إلى مقصدهم من الطعن في القرآن.
والمعنى : أنه قد سدت عليكم طرق بهتانكم إذ اتضح بالحجة الدامغة بطلان ادعائكم أن القرآن كلام مجنون أو كلام كاهن ، فما ذا تدعون بعد ذلك.
واعلم أن جملة «أين تذهبون» قد أرسلت مثلا ، ولعله من مبتكرات القرآن وكنت رأيت في كلام بعضهم : أين يذهب بك ، لمن كان في خطأ وعماية.
[٢٧ ، ٢٨] (إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٢٧) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨))
بعد أن أفاقهم من ضلالتهم أرشدهم إلى حقيقة القرآن بقوله : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) ، وهذه الجملة تتنزل منزلة المؤكدة لجملة : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) [التكوير : ٢٥] ولذلك جردت عن العاطف ، ذلك أن القصر المستفاد من النفي والاستثناء في قوله : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) يفيد قصر القرآن على صفة الذكر ، أي لا غير ذلك وهو قصر إضافي قصد منه إبطال أن يكون قول شاعر ، أو قول كاهن ، أو قول مجنون ، فمن جملة ما أفاده القصر نفي أن يكون قول شيطان رجيم ، وبذلك كان فيه تأكيد لجملة : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ).
والذكر اسم يجمع معاني الدعاء والوعظ بحسن الأعمال والزجر عن الباطل وعن الضلال ، أي ما القرآن إلا تذكير لجميع الناس ينتفعون به في صلاح اعتقادهم ، وطاعة الله ربهم ، وتهذيب أخلاقهم ، وآداب بعضهم مع بعض ، والمحافظة على حقوقهم ، ودوام انتظام جماعتهم ، وكيف يعاملون غيرهم من الأمم الذين لم يتبعوه.