ومعنى الادعاء أن من لم يؤثر عنهم القول في القرآن بأنه أساطير الأولين قد جعل تكذيبهم بيوم الدين كلا تكذيب مبالغة في إبطال تكذيب المشركين بيوم الدين.
وجملة : (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) صفة لمعتد أو حال منه.
والآيات هنا القرآن وأجزاؤه لأنّها التي تتلى وتقرأ.
والأساطير : جمع أسطورة وهي القصة ، والأكثر أن يراد القصة المخترعة التي لم تقع وكان المشركون ينظّرون قصص القرآن بقصة رستم ، وإسفنديار ، عند الفرس ، ولعل الكلمة معربة عن الرومية ، وتقدم الكلام عليه عند قوله تعالى : (يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) في سورة الأنعام [٢٥].
والمراد بالأولين الأمم السابقة لأن الأول يطلق على السابق على وجه التشبيه بأنه أول بالنسبة إلى ثان بعده وإن كان هو قد سبقته أجيال ، وقد كان المشركون يصفون القرآن بذلك لما سمعوا فيه من القصص التي سيقت إليهم مساق الموعظة والاعتبار ، فحسبوها من قصص الأسمار. واقتصروا على ذلك دون ما في أكثر القرآن من الحقائق العالية والحكمة ، بهتانا منهم.
وممن كانوا يقولون ذلك النضر بن الحارث وكان قد كتب قصة رستم وقصة إسفنديار وجدها في الحيرة فكان يحدث بها في مكة ويقول : أنا أحسن حديثا من محمد فإنما يحدثكم بأساطير الأولين.
وليس المراد في الآية خصوصه لأن كلمة (كُلُّ مُعْتَدٍ) ظاهر في عدم التخصيص.
[١٤ ـ ١٧] (كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (١٦) ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (١٧))
(كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) كَلَّا).
اعتراض بالردع وبيان له ، لأن (كَلَّا) ردع لقولهم أساطير الأولين ، أي أن قولهم باطل. وحرف (بَلْ) للإبطال تأكيدا لمضمون (كَلَّا) وبيانا وكشفا لما حملهم على أن يقولوا في القرآن ما قالوا وأنه ما أعمى بصائرهم من الرّين.
والرّين : الصدأ الذي يعلو حديد السيف والمرآة ، ويقال في مصدر الرّين الران مثل العيب والعاب ، والذيم والذام.