وعن الفراء أن (عِلِّيِّينَ) لا واحد له. يريد : أن عليين ليس جمع (عليّ) ولكنّه علم على مكان الأبرار في الجنّة إذ لم يسمع عن العرب (علّيّ) وإنّما قالوا : علّيّة للغرفة ، وعليون علم بالغلبة لمحلة الأبرار.
واشتق هذا الاسم من العلوّ ، وهو علوّ اعتباري ، أي رفعة في مراتب الشرف والفضل ، وصيغ على صيغة جمع المذكر لأن أصل تلك الصيغة أن تجمع بها أسماء العقلاء وصفاتهم ، فاستكمل له صيغة جمع العقلاء الذكور إتماما لشرف المعنى باستعارة العلو وشرف النوع بإعطائه صيغة التذكير.
والقول في (وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ) كالقول في (وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ* كِتابٌ مَرْقُومٌ) [المطففين : ٨ ، ٩] المتقدم.
و (يَشْهَدُهُ) يطلعون عليه ، أي يعلن به عند المقربين ، وهم الملائكة وهو إعلان تنويه بصاحبه كما يعلن بأسماء النابغين في التعليم ، وأسماء الأبطال في الكتائب.
[٢٢ ـ ٢٨] (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (٢٢) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٢٣) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (٢٤) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (٢٥) خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ (٢٦) وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (٢٨))
مضمون هذه الجملة قسيم لمضمون جملة : (إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) [المطففين : ١٥] إلى آخرها. ولذلك جاءت على نسيج نظم قسيمتها افتتاحا وتوصيفا وفصلا ، وهي مبيّنة لجملة : (إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) [المطففين : ١٨] فموقعها موقع البيان أو موقع بدل الاشتمال على كلا الوجهين في موقع التي قبلها على أنه يجوز أن تكون من الكلام الذي يقال لهم ، وهو المحكي بقوله : (ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) [المطففين : ١٧] فيكون قول ذلك لهم ، تحسيرا وتنديما على تفريطهم في الإيمان.
وأحد الوجهين لا يناكد الوجه الآخر فيما قرر للجملة من الخصوصيات.
وذكر الأبرار بالاسم الظاهر دون ضميرهم. خلافا لما جاء في جملة : (إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) [المطففين : ١٥] تنويها بوصف الأبرار.
وقوله : (عَلَى الْأَرائِكِ) خبر ثان عن الأبرار ، أي هم على الأرائك ، أي متكئون عليها.