ابن عباس لمّا سئل عنه : «هذا مما قال الله تعالى : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) [السجدة : ١٧] ، يريد لا يعلمون الأشياء ولا أسماءها إلا ما أخبر الله به. ولغرابة ذلك احتيج إلى تبيينه بقوله : (عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) ، أي حال كون التسنيم عينا يشرب منها المقرّبون.
و (الْمُقَرَّبُونَ) : هم الأبرار ، أي فالشاربون من هذا الماء مقربون.
وباء (يَشْرَبُ بِهَا) إما سببية ، وعدي فعل (يَشْرَبُ) إلى ضمير العين بتضمين (يَشْرَبُ) معنى : يمزج ، لقوله : (وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) أي يمزجون الرحيق بالتسنيم. وإمّا باء الملابسة وفعل (يَشْرَبُ) معدّى إلى مفعول محذوف وهو الرحيق ، أي يشربون الرحيق ملابسين للعين ، أي محيطين بها وجالسين حولها. أو الباء بمعنى (من) التبعيضية وقد عده الأصمعي والفارسي وابن قتيبة وابن مالك في معاني الباء ، وينسب إلى الكوفيين. واستشهدوا له بهذه الآية وليس ذلك ببيّن فإنّ الاستعمال العربي يكثر فيه تعدية فعل الشرب بالباء دون (من) ، ولعلهم أرادوا به معنى الملابسة ، أو كانت الباء زائدة كقول أبي ذؤيب يصف السحاب :
شربن بماء البحر ثم ترفّعت |
|
متى لجج خضر لهن نئيج |
[٢٩ ـ ٣٥] (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩) وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (٣٠) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (٣١) وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ (٣٢) وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ (٣٣) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (٣٤) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٣٥))
هذه من جملة القول الذي يقال يوم القيامة للفجار المحكيّ بقوله تعالى : (ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) [المطففين : ١٧] لأنه مرتبط بقوله في آخره : (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) إذ يتعين أن يكون قوله : (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) حكاية كلام يصدر في يوم القيامة ، إذ تعريف «اليوم» باللام ونصبه على الظرفية يقتضيان أنه يوم حاضر موقّت به الفعل المتعلق هو به ، ومعلوم أن اليوم الذي يضحك فيه المؤمنون من الكفار وهم على الأرائك هو يوم حاضر حين نزول هذه الآيات وسيأتي مزيد إيضاح لهذا ولأن قوله : (كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ) ظاهر في أنه حكاية كون مضى ، وكذلك معطوفاته من قوله : «وإذا مرّوا ، وإذا انقلبوا ، وإذا رأوهم» فدل السياق على أن هذا الكلام