وفي اجتلاب الفعل المضارع دلالة على حدوث التكذيب منهم وتجدده ، أي بل هم مستمرون على التكذيب عنادا وليس ذلك اعتقادا فكما نفي عنهم تجدّد الإيمان وتجدد الخضوع عند قراءة القرآن أثبت لهم تجدد التكذيب.
وقوله : (الَّذِينَ كَفَرُوا) إظهار في مقام الإضمار لأن مقتضى الظاهر أن يقال : بل هم يكذبون ، فعدل إلى الموصول والصلة لما تؤذن به الصلة من ذمهم بالكفر للإيماء إلى علة الخبر ، أي أنهم استمروا على التكذيب لتأصل الكفر فيهم وكونهم ينعتون به.
(وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (٢٣))
اعتراض بين جملة (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ) [الانشقاق : ٢٢] ، وجملة : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [الانشقاق : ٢٤] وهو كناية عن الإنذار والتهديد بأن الله يجازيهم بسوء طويتهم.
ومعنى (بِما يُوعُونَ) بما يضمرون في قلوبهم من العناد مع علمهم بأنّ ما جاء به القرآن حق ولكنهم يظهرون التّكذيب به ليكون صدودهم عنه مقبولا عند أتباعهم وبين مجاوريهم.
وأصل معنى الإيعاء : جعل الشيء وعاء الوعاء بكسر الواو الظرف لأنه يجمع فيه ، ثم شاع إطلاقه على جمع الأشياء لئلا تفوت فصار مشعرا بالتقتير ، ومنه قوله تعالى : (وَجَمَعَ فَأَوْعى) [المعارج : ١٨] وفي الحديث : «لا توعي فيوعي الله عليك» واستعمل في هذه الآية في الإخفاء لأنّ الإيعاء يستلزم الإخفاء فهو هنا مجاز مرسل.
(فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢٤))
تفريع على جملة (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ) [الانشقاق : ٢٢].
وفعل «بشّرهم» مستعار للإنذار والوعيد على طريقة التهكم لأن حقيقة التبشير : الإخبار بما يسرّ وينفع. فلما علق بالفعل عذاب أليم كانت قرينة التهكم كنار على علم. وهو من قبيل قول عمرو بن كلثوم :
قريناكم فعجّلنا قراكم |
|
قبيل الصبح مرداة طحونا |
(إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٢٥))