في الدنيا قال تعالى : (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) [الدخان : ١٦] ووجه الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم لأن بطش الله بالذين فتنوا المؤمنين فيه نصر للنبي صلىاللهعليهوسلم وتثبيت له.
(إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣))
تصلح لأن تكون استئنافا ابتدائيا انتقل به من وعيدهم بعذاب الآخرة إلى توعدهم بعذاب في الدنيا يكون من بطش الله ، أردف به وعيد عذاب الآخرة لأنه أوقع في قلوب المشركين إذ هم يحسبون أنهم في أمن من العقاب إذ هم لا يصدقون بالبعث فحسبوا أنهم فازوا بطيب الحياة الدنيا.
والمعنى : أن الله يبطش بهم في البدء والعود ، أي في الدنيا والآخرة.
وتصلح لأن تكون تعليلا لجملة : (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) [البروج : ١٢] لأن الذي يبدئ ويعيد قادر على إيقاع البطش الشديد في الدنيا وهو الإبداء ، وفي الآخرة وهو إعادة البطش.
وتصلح لأن تكون إدماجا للاستدلال على إمكان البعث أي أن الله يبدئ الخلق ثم يعيده فيكون كقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم : ٢٧].
والبطش : الأخذ بعنف وشدة ويستعار للعقاب المؤلم الشديد كما هنا.
و (يُبْدِئُ) : مرادف يبدأ ، يقال : بدأ وأبدأ. فليست همزة أبدأ للتعدية.
وحذف مفعولا الفعلين لقصد عموم تعلق الفعلين بكل ما يقع ابتداء ، ويعاد بعد ذلك فشمل بدأ الخلق وإعادته وهو البعث ، وشمل البطش الأول في الدنيا والبطش في الآخرة ، وشمل إيجاد الأجيال وأخلافها بعد هلاك أوائلها. وفي هذه الاعتبارات من التهديد للمشركين محامل كثيرة.
وضمير الفصل في قوله : (هُوَ يُبْدِئُ) للتقوّي ، أي لتحقيق الخبر ولا موقع للقصر هنا. إذ ليس في المقام ردّ على من يدّعي أن غير الله يبدئ ويعيد. وقد تقدم عند قوله تعالى: (أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) في سورة البقرة [٥] أن ضمير الفصل يليه الفعل المضارع على قول المازني ، وهو التحقيق. ودليله قوله : (وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ) وقد تقدم في سورة فاطر [١٠].