والإرادة هنا هي المعرّفة عندنا بأنها صفة تخصص الممكن ببعض ما يجوز عليه وهي غير الإرادة بمعنى المحبة مثل (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) [البقرة : ١٨٥].
[١٧ ، ١٨] (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨))
متصل بقوله : (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) [البروج : ١٢] فالخطاب للنبيصلىاللهعليهوسلم للاستدلال على كون بطشه تعالى شديدا ببطشين بطشهما بفرعون وثمود بعد أن علل ذلك بقوله : (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) [البروج : ١٣] فذلك تعليل ، وهذا تمثيل ودليل.
والاستفهام مستعمل في إرادة لتهويل حديث الجنود بأنه يسأل عن علمه ، وفيه تعريض للمشركين بأنهم قد يحلّ بهم ما حلّ بأولئك : (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى وَثَمُودَ فَما أَبْقى) إلى قوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى) [النجم : ٥٠ ـ ٥٥].
والخطاب لغير معين ممن يراد موعظته من المشركين كناية عن التذكير بخبرهم لأن حال المتلبسين بمثل صنيعهم الراكبين رءوسهم في العناد ، كحال من لا يعلم خبرهم فيسأل هل بلغه خبرهم أو لا ، أو خطابا لغير معيّن تعجيبا من حال المشركين في إعراضهم عن الاتعاظ بذلك فيكون الاستفهام مستعملا في التعجيب.
والإتيان : مستعار لبلوغ الخبر ، والحديث : الخبر. وتقدم في سورة النازعات.
و (الْجُنُودِ) : جمع جند وهو العسكر المتجمع للقتال. وأطلق على الأمم التي تجمعت لمقاومة الرسل كقوله تعالى : (جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ) [ص : ١١] واستعير الجند للملإ لقوله : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ) [ص : ٦] ثم رشحت الاستعارة باستعارة مهزوم وهو المغلوب في الحرب فاستعير للمهلك المستأصل من دون حرب.
وأبدل فرعون وثمود من الجنود بدلا مطابقا لأنه أريد العبرة بهؤلاء.
و (فِرْعَوْنَ) : اسم لملك مصر من القبط وقد تقدم عند قوله تعالى : (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) في سورة الأعراف [١٠٣].
والكلام على حذف مضاف لأن فرعون ليس بجند ولكنه مضاف إليه الجند الذين كذبوا موسى عليهالسلام وآذوه. فحذف المضاف لنكتة المزاوجة بين اسمين علمين مفردين في الإبدال من الجنود.
وضرب المثل بفرعون لأبي جهل وقد كان يلقّب عند المسلمين بفرعون هذه الأمة ،