[٨ ـ ١٠] (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (٩) فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ (١٠))
استئناف بياني ناشئ عن قوله : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ) [الطارق : ٥] لأن السامع يتساءل عن المقصد من هذا الأمر بالنظر في أصل الخلقة ، وإذ قد كان ذلك النظر نظر استدلال فهذا الاستئناف البياني له يتنزل منزلة نتيجة الدليل ، فصار المعنى : أن الذي خلق الإنسان من ماء دافق قادر على إعادة خلقه بأسباب أخرى وبذلك يتقرر إمكان إعادة الخلق ويزول ما زعمه المشركون من استحالة تلك الإعادة.
وضمير (إِنَّهُ) عائد إلى الله تعالى وإن لم يسبق ذكر لمعاد ولكنّ بناء الفعل للمجهول في قوله : (خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) [الطارق : ٦] يؤذن بأن الخالق معروف لا يحتاج إلى ذكر اسمه ، وأسند الرّجع إلى ضميره دون سلوك طريقة البناء للمجهول كما في قوله : (خُلِقَ) لأن المقام مقام إيضاح وتصريح بأن الله هو فاعل ذلك.
وضمير (رَجْعِهِ) عائد إلى (الْإِنْسانُ ٥) [الطارق : ٥].
والرجع : مصدر رجعه المتعدّي. ولا يقال في مصدر رجع القاصر إلا الرجوع.
و (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) متعلق ب (رَجْعِهِ) أي يرجعه يوم القيامة.
و (السَّرائِرُ) : جمع سريرة وهي ما يسره الإنسان ويخفيه من نواياه وعقائده.
وبلو السرائر ، اختبارها وتمييز الصالح منها عن الفاسد ، وهو كناية عن الحساب عليها والجزاء ، وبلو الأعمال الظاهرة والأقوال مستفاد بدلالة الفحوى من بلو السرائر.
ولما كان بلو السرائر مؤذنا بأن الله عليم بما يستره الناس من الجرائم وكان قوله : (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) مشعرا بالمؤاخذة على العقائد الباطلة والأعمال الشنيعة فرع عليه قوله : (فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ) ، فالضمير عائد إلى (الْإِنْسانُ) [الطارق : ٥]. والمقصود ، المشركون من الناس لأنهم المسوق لأجلهم هذا التهديد ، أي فما للإنسان المشرك من قوة يدفع بها عن نفسه وما له من ناصر يدافع عنه.
[١١ ـ ١٤] (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤))