المعاذير ليصرفوهم عن أن يتدبروا القرآن وهو ما حكاه الله عنهم في قوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) [فصلت : ٢٦] فالهزل على هذا الوجه هو ضدّ الجدّ أعني المزح واللعب ، ومثل هذه الصفة إذا وردت في الكلام البليغ لا محمل لها إلا إرادة التعريض وإلا كانت تقصيرا في المدح لا سيما إذا سبقتها محمدة من المحامد العظيمة.
ويجوز أن يطلق الهزل على الهذيان قال تعالى : (وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) أي بالهذيان.
[١٥ ـ ١٦] (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (١٥) وَأَكِيدُ كَيْداً (١٦))
استئناف بياني ينبئ عن سؤال سائل يعجب من إعراضهم عن القرآن مع أنه قول فصل ويعجب من معاذيرهم الباطلة مثل قولهم : هو هزل أو هذيان أو سحر ، فبين للسامع أن عملهم ذلك كيد مقصود. فهم يتظاهرون بأنهم ما يصرفهم عن التصديق بالقرآن إلا ما تحققوه من عدم صدقه ، وهم إنما يصرفهم عن الإيمان به الحفاظ على سيادتهم فيضللون عامتهم بتلك التعلات الملفقة.
والتأكيد ب (إنّ) لتحقيق هذا الخبر لغرابته ، وعليه فقوله : (وَأَكِيدُ كَيْداً) تتميم وإدماج وإنذار لهم حين يسمعونه.
ويجوز أن يكون قوله : (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً) موجها إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم تسلية له على أقوالهم في القرآن الراجعة إلى تكذيب من جاء القرآن. أي إنما يدّعون أنه هزل لقصد الكيد وليس لأنهم يحسبونك كاذبا على نحو قوله تعالى : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) [الأنعام : ٣٣].
والضمير الواقع اسما ل (إنّ) عائد إلى ما فهم من قوله تعالى : (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ* وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) [الطارق : ١٣ ، ١٤] من الرد على الذين يزعمون القرآن بعكس ذلك ، أي أن المشركين المكذبين يكيدون.
وجملة : (وَأَكِيدُ كَيْداً) تثبيت للرسول صلىاللهعليهوسلم ووعد بالنصر.
و (كَيْداً) في الموضعين مفعول مطلق مؤكد لعامله وقصد منه مع التوكيد تنوين تنكيره الدال على التعظيم.
والكيد : إخفاء قصد الضر وإظهار خلافه ، فكيدهم مستعمل في حقيقته ، وأما الكيد المسند إلى ضمير الجلالة فهو مستعمل في الإمهال مع إرادة الانتقام عند وجود ما تقتضيه