الحكمة من إنزاله بهم وهو استعارة تمثيلية ، شبهت هيئة إمهالهم وتركهم مع تقدير إنزال العقاب بهم بهيئة الكائد يخفي إنزال ضره ويظهر أنه لا يريده وحسّنها محسن المشاكلة.
(فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (١٧))
الفاء لتفريع الأمر بالإمهال على مجموع الكلام السابق من قوله : (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) [الطارق : ١٣] بما فيه من تصريح وتعريض وتبيين ووعد بالنصر ، أي فلا تستعجل لهم بطلب إنزال العقاب فإنه واقع بهم لا محالة.
والتمهيل : مصدر مهّل بمعنى أمهل ، وهو الإنظار إلى وقت معيّن أو غير معين ، فالجمع بين «مهّل» و (أَمْهِلْهُمْ) تكرير للتأكيد لقصد زيادة التسكين ، وخولف بين الفعلين في التعدية مرة بالتضعيف وأخرى بالهمز لتحسين التكرير.
والمراد ب (الْكافِرِينَ) ما عاد عليه ضمير (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ) [الطارق : ١٥] فهو إظهار في مقام الإضمار للنداء عليهم بمذمة الكفر ، فليس المراد جميع الكافرين بل أريد الكافرون المعهودون.
و (رُوَيْداً) تصغير رود بضم الراء بعدها واو ، ولعله اسم مصدر ، وأما قياس مصدره فهو رود بفتح الراء وسكون الواو ، وهو المهل وعدم العجلة وهو مصدر مؤكد لفعل (أَمْهِلْهُمْ) فقد أكد قوله : (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ) مرتين.
والمعنى : انتظر ما سيحلّ بهم ولا تستعجل لهم انتظار تربص واتّياد فيكون (رُوَيْداً) كناية عن تحقق ما يحلّ بهم من العقاب لأن المطمئن لحصول شيء لا يستعجل به.
وتصغيره للدلالة على التقليل ، أي مهلة غير طويلة.
ويجوز أن يكون (رُوَيْداً) هنا اسم فعل للأمر ، كما في قولهم : رويدك ، لأن اقترانه بكاف الخطاب إذا أريد به اسم الفعل ليس شرطا ويكون الوقف على قوله : (الْكافِرِينَ) و (رُوَيْداً) كلاما مستقلا ، فليس وجود فعل من معناه قبله بدليل على أنه مراد به المصدر ، أي تصبر ولا تستعجل نزول العذاب بهم فيكون كناية عن الوعد بأنه واقع لا محالة.