وقد ورد القلب في آيات من القرآن ومنها قوله تعالى : (ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ) [القصص : ٧٦] ومنه القلب التشبيه المقلوب.
والمعنى : وعد الله إياه بأنه يسره لتلقي أعباء الرسالة فلا تشق عليه ولا تحرجه تطمينا له إذ كان في أول أمر إرساله مشفقا أن لا يفي بواجباتها. أي أن الله جعله قابلا لتلقّي الكمالات وعظائم تدبير الأمة التي من شأنها أن تشق على القائمين بأمثالها.
ومن آثار هذا التيسير ما ورد في الحديث : «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما خيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما» ، وقوله صلىاللهعليهوسلم لأصحابه : «إنما بعثتم ميسّرين لا معسّرين».
[٩ ـ ١٣] (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (٩) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى (١٢) ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (١٣))
بعد أن ثبّت الله رسوله صلىاللهعليهوسلم تكفل له ما أزال فرقه من أعباء الرسالة وما اطمأنت به نفسه من دفع ما خافه من ضعف عن أدائه الرسالة على وجهها وتكفل له دفع نسيان ما يوحى إليه إلا ما كان إنساؤه مرادا لله تعالى. ووعده بأنه وفقه وهيأه لذلك ويسره عليه ، إذ كان الرسول صلىاللهعليهوسلم وهو في مبدأ عهده بالرسالة (إذ كانت هذه السورة ثامنة السور) لا يعلم ما سيتعهد الله به فيخشى أن يقصر عن مراد الله فيلحقه غضب منه أو ملام. أعقب ذلك بأن أمره بالتذكير ، أي التبليغ ، أي بالاستمرار عليه ، إرهافا لعزمه ، وشحذا لنشاطه ليكون إقباله على التذكير بشراشره فإن امتثال الأمر إذا عاضده إقبال النفس على فعل المأمور به كان فيه مسرة للمأمور ، فجمع بين أداء الواجب وإرضاء الخاطر.
فالفاء للتفريع على ما تقدم تفريع النتيجة على المقدمات.
والأمر : مستعمل في طلب الدوام.
والتذكير : تبليغ الذكر وهو القرآن.
والذكرى : اسم مصدر التذكير وقد تقدم في سورة عبس.
ومفعول (فَذَكِّرْ) محذوف لقصد التعميم ، أي فذكر الناس ودلّ عليه قوله : (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى) الآيتين.
وجملة : (إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) معترضة بين الجملتين المعلّلة وعلتها ، وهذا الاعتراض منظور فيه إلى العموم الذي اقتضاه حذف مفعول (فَذَكِّرْ) ، أي فدم على تذكير