الدنيا ، فالمعنى : بل أنتم تؤثرون منافع الدنيا على حظوظ الآخرة ، وهذا كما يقول الناصح شخصا يظن أنه لا ينتصح «لقد نصحتك وما أظنك تفعل».
ويجيء فيه الوجهان المتقدمان من الخطاب والغيبة على القراءتين.
والإيثار : اختيار شيء من بين متعدد.
والمعنى : تؤثرون الحياة الدنيا بعنايتكم واهتمامكم.
ولم يذكر المؤثر عليه لأن الحياة الدنيا تدل عليه ، أي لا تتأملون فيما عدا حياتكم هذه ولا تتأمّلون في حياة ثانية ، فالمشركون لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكّروا بالحياة الآخرة وأخبروا بها لم يعيروا سمعهم ذلك وجعلوا ذلك من الكلام الباطل وهذا مورد التوبيخ.
واعلم أنّ للمؤمنين حظا من هذه الموعظة على طول الدهر ، وذلك حظ مناسب لمقدار ما يفرّط فيه أحدهم مما ينجيه في الآخرة إيثارا لما يجتنيه من منافع الدنيا التي تجر إليه تبعة في الآخرة على حسب ما جاءت به الشريعة ، فأما الاستكثار من منافع الدنيا مع عدم إهمال أسباب النجاة في الآخرة فذلك ميدان للهمم وليس ذلك بمحل ذم قال تعالى : (وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا) [القصص : ٧٧].
وجملة : (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) عطف على جملة التوبيخ عطف الخبر على الإنشاء لأن هذا الخبر يزيد إنشاء التوبيخ توجيها وتأييدا بأنهم في إعراضهم عن النظر في دلائل حياة آخرة قد أعرضوا عما هو خير وأبقى.
و (أَبْقى) : اسم تفضيل ، أي أطول بقاء ، وفي حديث النهي عن جرّ الإزار «وليكن إلى الكعبين فإنه أتقى وأبقى».
[١٨ ، ١٩] (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٨) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى (١٩))
تذييل للكلام وتنويه به بأنه من الكلام النافع الثابت في كتب إبراهيم موسىعليهماالسلام ، قصد به الإبلاغ للمشركين الذين كانوا يعرفون رسالة إبراهيم ورسالة موسى ، ولذلك أكّد هذا الخبر ب (إِنَ) ولام الابتداء لأنه مسوق إلى المنكرين.
والإشارة بكلمة (هذا) إلى مجموع قوله (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) إلى قوله (وَأَبْقى) [الأعلى : ١٤ ـ ١٧] فإن ما قبل ذلك من أول السورة إلى قوله : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) [الأعلى : ١٤] ، ليس مما ثبت معناه في صحف إبراهيم وموسىعليهماالسلام.