فعل جمعا على أفعال ، أي لا نظير له إذ لا يقال خضر وأخضار وحمر وأحمار. يريد أنه لا يخرّج الكلام الفصيح على استعمال لم يثبت ورود نظيره في كلام العرب مع وجود تأويل له على وجه وارد.
فكان أظهر الوجوه أن (أَلْفافاً) اسم جمع لا واحد له من لفظه.
وبهذا الاستدلال والامتنان ختمت الأدلة التي أقيمت لهم على انفراد الله تعالى بالإلهية وتضمنت الإيماء إلى إمكان البعث وما أدمج فيها من المنن عليهم عساهم أن يذكروا النعمة فيشعروا بواجب شكر المنعم ولا يستفظعوا إبطال الشركاء في الإلهية وينظروا فيما بلغهم عنه من الإخبار بالبعث والجزاء فيصرفوا عقولهم للنظر في دلائل تصديق ذلك.
وقد ابتدئت هذه الدلائل بدلائل خلق الأرض وحالتها وجالت بهم الذكرى على أهم ما على الأرض من الجماد والحيوان ، ثم ما في الأفق من أعراض الليل والنهار. ثم تصاعد بهم التجوال بالنظر في خلق السماوات وبخاصة الشمس ثم نزل بهم إلى دلائل السحاب والمطر فنزلوا معه إلى ما يخرج من الأرض من بدائع الصنائع ومنتهى المنافع فإذا هم ينظرون من حيث صدروا وذلك من رد العجز على الصدر.
[١٧ ـ ١٨] (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً (١٧) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (١٨))
هذا بيان لما أجمله قوله : (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) [النبأ : ٢ ـ ٣] وهو المقصود من سياق الفاتحة التي افتتحت بها السورة وهيأت للانتقال مناسبة ذكر الإخراج من قوله : (لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً) [النبأ : ١٥] إلخ ، لأن ذلك شبه بإخراج أجساد الناس للبعث كما قال تعالى : (فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ) إلى قوله : (كَذلِكَ الْخُرُوجُ) في سورة ق [٩ ـ ١١].
وهو استئناف بياني أعقب به قوله : (لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً) [النبأ : ١٥] الآية فيما قصد به من الإيماء إلى دليل البعث.
وأكد الكلام بحرف التأكيد لأن فيه إبطالا لإنكار المشركين وتكذيبهم بيوم الفصل.
ويوم الفصل : يوم البعث للجزاء.
والفصل : التمييز بين الأشياء المختلطة ، وشاع إطلاقه على التمييز بين المعاني