(لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً (١١))
اللاغية : مصدر بمعنى اللّغو مثل الكاذبة للكذب. والخائنة والعافية ، أي لا يسمع فيها لغو ، أو هو وصف لموصوف مقدر التأنيث ، أي كلمة لاغية لما دل عليه (لاغِيَةً) من أنها كلمات ، ووصف الكلمة بذلك مجاز عقلي لأن اللاغي صاحبها.
ونفي سماع (لاغِيَةً) مكنى به عن انتفاء اللغو في الجنة من باب :
ولا ترى الضب بها ينجحر
أي لا ضبّ بها إذ الضب لا يخلو من الانجحار.
واللغو : الكلام الذي لا فائدة له ، وهذا تنبيه على أن الجنة دار جد وحقيقة فلا كلام فيها إلا لفائدة لأن النفوس فيها تخلصت من النقائص كلها فلا يلذّ لها إلا الحقائق والسمو العقلي والخلقي ، ولا ينطقون إلا ما يزيد النفوس تزكية.
وجملة : (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) صفة ثانية ل (جَنَّةٍ) [الغاشية : ١٠] ترك عطفها على الصفة التي قبلها لأن النعوت المتعددة يجوز أن تعطف ويجوز أن تفصل دون عطف قال في «التسهيل» : «ويجوز عطف بعض النعوت على بعض وقال المرادي في «شرحه» نحو قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى* وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى) [الأعلى : ٢ ـ ٤]. وقال : ولا يعطف إلا بالواو ما لم يكن ترتيب : فبالفاء كقوله :
يا لهف زيّابة للحارب ال |
|
صابح فالغانم فالآئب |
قال السهيلي : والعطف ب (ثم) جوازه بعيد. ا ه. قال الدماميني : وكذا في الجمل نحو مررت برجل يحفظ القرآن ويعرف الفقه ويتقي إلى الله ، قال : ونص الواحدي في قوله تعالى : (لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) [آل عمران : ١١٨]. أن لا يألونكم وما بعده من الجمل (أي الثلاث) لا يكون صفات ، لعدم العاطف لكن ظاهر سكوت الجمهور عن وجوب العطف يشعر بجوازه فيها (أي الجمل) كالمفردات ا ه.
ابتدئ في تعداد صفات الجنة بصفتها الذاتية وهو كونها عالية ، وثني بصفة تنزيهها عمّا يعدّ من نقائص مجامع الناس ومساكن الجماعات وهو الغوغاء واللغو ، وقد جردت هذه الجملة من أن تعطف على (عالِيَةٍ) [الغاشية : ١٠] مراعاة لعدم التناسب بين المفردات