والاستفهام تقريري ، وكونه بحرف (هَلْ) لأن أصل (هَلْ) أن تدل على التحقيق إذ هي بمعنى (قد).
واسم الإشارة عائد إلى المذكور مما أقسم به ، أي هل في القسم بذلك قسم.
وتنكير (قَسَمٌ) للتعظيم أي قسم كاف ومقنع للمقسم له ، إذا كان عاقلا أن يتدبر بعقله.
فالمعنى : هل في ذلك تحقيق لما أقسم عليه للسامع الموصوف بأنه صاحب حجر.
والحجر : العقل لأنه يحجر صاحبه عن ارتكاب ما لا ينبغي ، كما سمي عقلا لأنه يعقل صاحبه عن التهافت كما يعقل العقال البعير عن الضّلال.
واللام في قوله : (لِذِي حِجْرٍ) لام التعليل ، أي قسم لأجل ذي عقل يمنعه من المكابرة فيعلم أن المقسم بهذا القسم صادق فيما أقسم عليه.
[٦ ـ ١٤] (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ (٦) إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ (٨) وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ (٩) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (١٠) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (١١) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ (١٢) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (١٣) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (١٤))
لا يصلح هذا أن يكون جوابا للقسم ولكنه : إمّا دليل الجواب إذ يدل على أن المقسم عليه من جنس ما فعل بهذه الأمم الثلاث وهو الاستئصال الدال عليه قوله : (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) ، فتقدير الجواب ليصبن ربك على مكذبيك سوط عذاب كما صب على عاد وثمود وفرعون.
وإمّا تمهيد للجواب ومقدمة له إن جعلت الجواب قوله : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) وما بينه وبين الآيات السابقة اعتراض جعل كمقدمة لجواب القسم.
والمعنى : إن ربك لبالمرصاد للمكذبين لا يخفى عليه أمرهم ، فيكون تثبيتا للنبي صلىاللهعليهوسلم كقوله : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) [إبراهيم : ٤٢].
فالاستفهام في قوله : (أَلَمْ تَرَ) تقريري ، والمخاطب به النبي صلىاللهعليهوسلم تثبيتا له ووعدا بالنصر ، وتعريضا للمعاندين بالإنذار بمثله فإن ما فعل بهذه الأمم الثلاث موعظة وإنذار للقوم الذين فعلوا مثل فعلهم من تكذيب رسل الله قصد منه تقريب وقوع ذلك وتوقع حلوله. لأن التذكير بالنظائر واستحضار الأمثال يقرّب إلى الأذهان الأمر الغريب الوقوع ،