وتعريف «المرصاد» تعريف الجنس وهو يفيد عموم المتعلّق ، أي بالمرصاد لكل فاعل ، فهو تمثيل لعموم علم الله تعالى بما يكون من أعمال العباد وحركاتهم ، بحال اطلاع الرصد على تحركات العدوّ والمغيرين ، وهذا المثل كناية عن مجازاة كل عامل بما عمله وما يعمله إذ لا يقصد الرصد إلا للجزاء على العدوان ، وفي ما يفيده من التعليل إيماء إلى أن الله لم يظلمهم فيما أصابهم به.
والباء في قوله (لَبِالْمِرْصادِ) للظرفية.
[١٥ ـ ٢٠] (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (١٦) كَلاَّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (١٨) وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا (١٩) وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠))
(فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ) (١٦).
(كَلَّا) دلت الفاء على أن الكلام الواقع بعدها متصل بما قبلها ومتفرع عليه لا محالة.
ودلت (أمّا) على معنى : مهما يكن من شيء ، وذلك أصل معناها ومقتضى استعمالها ، فقوي بها ارتباط جوابها بما قبلها وقبل الفاء المتصلة بها ، فلاح ذلك برقا وامضا ، وانجلى بلمعة ما كان غامضا ، إذ كان تفريع ما بعد هذه الفاء على ما قبلها خفيا ، فلنبينه بيانا جليّا ، ذلك أن الكلام السابق اشتمل على وصف ما كانت تتمتع به الأمم الممثّل بها مما أنعم الله عليها به من النعم ، وهم لاهون عن دعوة رسل الله ، ومعرضون عن طلب مرضاة ربهم ، مقتحمون المناكر التي نهوا عنها ، بطرون بالنعمة ، معجبون بعظمتهم فعقب ذكر ما كانوا عليه وما جازاهم الله به عليه من عذاب في الدنيا ، باستخلاص فعقب ذكر ما كانوا عليه وما جازاهم الله به عليه من عذاب في الدنيا ، باستخلاص العبرة وهو تذكير المشركين بأن حالهم مماثل لحال أولئك ترفا وطغيانا وبطرا ، وتنبيههم على خطاهم إذ كانت لهم من حال الترف والنعمة شبهة توهّموا بها أن الله جعلهم محل كرامة ، فحسبوا أن إنذار الرسول صلىاللهعليهوسلم إياهم بالعذاب ليس بصدق لأنه يخالف ما هو واقع لهم من النعمة ، فتوهموا أنّ فعل الله بهم أدلّ على كرامتهم عنده مما يخبر به الرسول صلىاللهعليهوسلم أن الله أمرهم بخلاف ما هم عليه ، ونفوا أن يكون بعد هذا العالم عالم آخر يضاده ، وقصروا عطاء الله على ما عليه عباده في هذه الحياة الدنيا ، فكان هذا