علامة على إرادة الإهانة ، وليس مناطه وقوع الكرامة ووقوع الإهانة لأن الله أهان الكافر بعذاب الآخرة ولو شاء إهانته في الدنيا لأجل الكفر لأهان جميع الكفرة بتقتير الرزق.
وبهذا ظهر أن لا تنافي بين إثبات إكرام الله تعالى الإنسان بقوله : (فَأَكْرَمَهُ) وبين إبطال ذلك بقوله : (كَلَّا) لأن الإبطال وارد على ما قصده الإنسان بقوله : (رَبِّي أَكْرَمَنِ) أن ما ناله من النعمة علامة على رضى الله عنه.
فالمعنى : أن لشأن الله في معاملته الناس في هذا العالم أسرارا وعللا لا يحاط بها ، وأن أهل الجهالة بمعزل عن إدراك سرها بأقيسة وهمية ، والاستناد لمألوفات عادية ، وأن الأولى لهم أن يتطلبوا الحقائق من دلائلها العقلية ، وأن يعرفوا مراد الله من وحيه إلى رسله. وأن يحذروا من أن يحيدوا بالأدلة عن مدلولها. وأن يستنتجوا الفروع من غير أصولها.
وأما أهل العلم فهم يضعون الأشياء مواضعها ، ويتوسمون التوسم المستند إلى الهدي ولا يخلطون ولا يخبطون.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو ربي في الموضعين بفتح الياء. وقرأ الباقون بسكونها.
وقرأ الجمهور (فَقَدَرَ عَلَيْهِ) بتخفيف الدال. وقرأه ابن عامر وأبو جعفر بتشديد الدال.
وقرأ نافع : (أَكْرَمَنِ) ، و (أَهانَنِ) بياء بعد النون في الوصل وبحذفها في الوقف.
وقرأهما ابن كثير بالياء في الوصل والوقف ، وقرأهما ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي ويعقوب بدون ياء في الوصل والوقف. وهو مرسوم في المصحف بدون نون بعد الياءين ولا منافاة بين الرواية واسم المصحف. و (كَلَّا) ردع عن هذا القول أي ليس ابتلاء الله الإنسان بالنعيم وبتقتير الرزق مسببا على إرادة الله تكريم الإنسان ولا على إرادته إهانته. وهذا ردع مجمل لم يتعرض القرآن لتبيينه اكتفاء بتذييل أحوال الأمم الثلاث في نعمتهم بقوله: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) [الفجر : ١٤] بعد قوله : (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) [الفجر : ١٣].
(بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ ١٨ وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا ١٩ وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا ٢٠)