قوله : (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً) [النبأ : ١٧] والتقدير : إن يوم الفصل إنّ جهنم كانت مرصادا فيه للطاغين ، والعائد محذوف دل عليه قوله : (مِرْصاداً) أي مرصادا فيه ، أي في ذلك اليوم لأن معنى المرصاد مقترب من معنى الميقات إذ كلاهما محدد لجزاء الطاغين.
ودخول حرف (إنّ) في خبر (إن) يفيد تأكيدا على التأكيد الذي أفاده حرف التأكيد الداخل على قوله : (يَوْمَ الْفَصْلِ) على حد قول جرير :
إنّ الخليفة إنّ الله سربله |
|
سربال ملك به تزجى الخواتيم |
ومنه قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) كما تقدم في سورة الحج [١٧] ، وتكون الجملة من تمام ما خوطبوا به بقوله : (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) [النبأ : ١٨].
والتعبير ب «الطّاغين» إظهار في مقام الإضمار للتسجيل عليهم بوصف الطغيان لأن مقتضى الظاهر أن يقول : «لكم مآبا».
ويجوز أن تكون مستأنفة استئنافا بيانيا عن جملة (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً) [النبأ : ١٧] وما لحق بها لأن ذلك مما يثير في نفوس السامعين تطلّب ما ذا سيكون بعد تلك الأهوال فأجيب بمضمون (إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً) الآية. وعليه فليس في قوله : (لِلطَّاغِينَ) تخريج على خلاف مقتضى الظاهر.
وابتدئ بذكر جهنم لأن المقام مقام تهديد إذ ابتدئت السورة بذكر تكذيب المشركين بالبعث ولما سنذكره من ترتيب نظم هذه الجمل.
وجهنم : اسم لدار العذاب في الآخرة. قيل : وهو اسم معرّب فلعله معرب عن العبرانية أو عن لغة أخرى سامية ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ) في سورة البقرة [٢٠٦].
والمرصاد : مكان الرصد ، أي الرقابة ، وهو بوزن مفعال الذي غلب في اسم آلة الفعل مثل مضمار للموضع الذي تضمّر فيه الخيل ، ومنهاج للموضع الذي ينهج منه.
والمعنى : أن جهنم موضع يرصد منه الموكّلون بها ، ويترقبون من يزجى إليها من أهل الطغيان كما يترقب أهل المرصاد من يأتيه من عدوّ.