نزلت في الحارث بن عامر بن نوفل ، زعم أنه أنفق مالا على إفساد أمر النبي صلىاللهعليهوسلم. وقيل : هو عمرو بن عبد ودّ الذي اقتحم الخندق في يوم الأحزاب ليدخل المدينة فقتله علي بن أبي طالب خلف الخندق.
وليس لهذه الأقوال شاهد من النقل الصحيح ولا يلائمها القسم ولا السياق.
والخلق : إيجاد ما لم يكن موجودا ، ويطلق على إيجاد حالة لها أثر قويّ في الذات كقوله تعالى : (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) [الزمر : ٦] وقوله : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) [المائدة : ١١٠]. فهو جعل يغير ذات الشيء.
والكبد بفتحتين : التعب والشدة ، وقد تعددت أقوال المفسرين في تقرير المراد بالكبد ، ولم يعرج واحد منهم على ربط المناسبة بين ما يفسّر به الكبد وبين السياق المسوق له الكلام وافتتاحه بالقسم المشعر بالتأكيد وتوقع الإنكار ، حتى كأنّهم بصدد تفسير كلمة مفردة ليست واقعة في كلام يجب التئامه ، ويحق وئامه.
وقد غضّوا النظر عن موقع فعل (خَلَقْنَا) على تفسيرهم الكبد إذ يكون فعل (خَلَقْنَا) كمعذرة للإنسان الكافر في ملازمة الكبد له إذ هو مخلوق فيه. وذلك يحط من شدة التوبيخ والذم ، فالذي يلتئم مع السياق ويناسب القسم أن الكبد التعب الذي يلازم أصحاب الشرك من اعتقادهم تعدد الآلهة. واضطراب رأيهم في الجمع بين ادعاء الشركاء لله تعالى وبين توجّههم إلى الله بطلب الرزق وبطلب النجاة إذا أصابهم ضر. ومن إحالتهم البعث بعد الموت مع اعترافهم بالخلق الأول فقوله : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) دليل مقصودا وحده بل هو توطئة لقوله : (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) [البلد : ٥]. والمقصود إثبات إعادة خلق الإنسان بعد الموت للبعث والجزاء الذي أنكروه وابتدأهم القرآن بإثباته في سور كثيرة من السور الأولى.
فوزان هذا التمهيد وزان التمهيد بقوله : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) [التين : ٤ ، ٥] بعد القسم بقوله : (التِّينِ وَالزَّيْتُونِ) [التين: ١] إلخ.
فمعنى : (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ) [البلد : ٥] : أيحسب أن لن نقدر عليه بعد اضمحلال جسده فنعيده خلقا آخر ، فهو في طريقة القسم والمقسم عليه بقوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) إلى قوله : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) [القيامة : ١ ـ ٤]. أي كما خلقناه أول مرة في نصب من أطوار الحياة كذلك