الشمس إلى ما يقابل الأرض من القمر ، وليس نيّرا بذاته ، وهذا إعجاز علمي من إعجاز القرآن وهو مما أشرت إليه في المقدمة العاشرة.
وابتدئ بالشمس لمناسبة المقام إيماء للتنويه بالإسلام لأن هديه كنور الشمس لا يترك للضلال مسلكا ، وفيه إشارة إلى الوعد بانتشاره في العالم كانتشار نور الشمس في الأفق ، واتبع بالقمر لأنه ينير في الظلام كما أنار الإسلام في ابتداء ظهوره في ظلمة الشرك ، ثم ذكر النهار والليل معه لأنهما مثل لوضوح الإسلام بعد ضلالة الشرك وذلك عكس ما في سورة الليل لما يأتي.
ومناسبة استحضار السماء عقب ذكر الشمس والقمر ، واستحضار الأرض عقب ذكر النهار والليل ، واضحة ، ثم ذكرت النفس الإنسانية لأنها مظهر الهدى والضلال وهو المقصود.
والضمير المؤنث في قوله : (جَلَّاها) ظاهره أنه عائد إلى الشمس فمعنى تجلية النهار بالشمس وقت ظهور الشمس.
فإسناد التجلية إلى النهار مجاز عقلي والقسم إنما هو بالنهار لأنه حالة دالة على دقيق نظام العالم الأرضي. وقيل : الضمير عائد إلى الأرض ، أي أضاء الأرض فتجلت للناظرين لظهور المقصود كما يقال عند نزول المطر «أرسلت» يعنون أرسلت السماء ماءها.
وقيد القسم بالنهار بقيد وقت التجلية إدماجا للمنة في القسم.
وابتدئ القسم بالشمس وأضوائها الثلاثة الأصلية والمنعكسة لأن الشمس أعظم النيرات التي يصل نور شديد منها للأرض ، ولما في حالها وحال أضوائها من الإيماء إلى أنها مثل لظهور الإيمان بعد الكفر وبث التقوى بعد الفجور فإن الكفر والمعاصي تمثّل بالظلمة والإيمان والطاعات تمثّل بالضياء قال تعالى : (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ) [المائدة : ١٦].
وأعقب القسم بالنهار بالقسم بالليل لأن الليل مقابل وقت النهار فهو وقت الإظلام.
والغشي : التغطية وليس الليل بمغطّ للشمس على الحقيقة ولكنه مسبّب عن غشي نصف الكرة الأرضية لقرص الشمس ابتداء من وقت الغروب وهو زمن لذلك الغشي. فإسناد الغشي إلى الليل مجاز عقلي من إسناد الفعل إلى زمنه أو إلى مسببه (بفتح الباء).