والطغيان : تجاوز الحد في عدم الاكتراث بحق الغير والكبر ، والتعريف فيه للعهد فالمراد به المشركون المخاطبون بقوله : (فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) [النبأ : ١٨] فهو إظهار في مقام الإضمار لقصد الإيماء إلى سبب جعل جهنم لهم لأن الشرك أقصى الطغيان إذ المشركون بالله أعرضوا عن عبادته ومتكبرون على رسوله صلىاللهعليهوسلم حيث أنفوا من قبول دعوته وهم المقصود من معظم ما في هذه السورة كما يصرح به قوله : (إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً) [النبأ : ٢٧ ، ٢٨]. هذا وأن المسلمين المستخفّين بحقوق الله ، أو المعتدين على الناس بغير حق ، واحتقارا لا لمجرد غلبة الشهوة لهم حظ من هذا الوعيد بمقدار اقترابهم من حال أهل الكفر.
واللابث : المقيم بالمكان. وانتصب (لابِثِينَ) على الحال من الطاغين.
وقرأه الجمهور (لابِثِينَ) على صيغة جمع لابث. وقرأه حمزة وروح عن يعقوب لبثين على صيغة جمع (لبث) من أمثلة المبالغة مثل حذر على خلاف فيه ، أو من الصفة المشبهة فتقتضي أن اللّبث شأنه كالذي يجثم في مكان لا ينفك عنه.
وأحقاب : جمع حقب بضمتين ، وهو زمن طويل نحو الثمانين سنة ، وتقدم في قوله: (أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) في سورة الكهف [٦٠].
وجمعه هنا مراد به الطول العظيم لأن أكثر استعمال الحقب والأحقاب أن يكون في حيث يراد توالي الأزمان ويبين هذا الآيات الأخرى الدالة على خلود المشركين ، فجاءت هذه الآية على المعروف الشائع في الكلام كناية به عن الدوام دون انتهاء.
وليس فيه دلالة على أن لهذا اللبث نهاية حتى يحتاج إلى دعوى نسخ ذلك بآيات الخلود وهو وهم لأن الأخبار لا تنسخ ، أو يحتاج إلى جعل الآية لعصاة المؤمنين ، فإن ذلك ليس من شأن القرآن المكي الأول إذ قد كان المؤمنون أيامئذ صالحين مخلصين مجدّين في أعمالهم.
[٢٤ ـ ٢٦] (لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً (٢٤) إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً (٢٥) جَزاءً وِفاقاً (٢٦))
هذه الجملة يجوز أن تكون حالا ثانية من (الطاغين) [النبأ : ٢٢] أو حالا أولى من الضمير في (لابِثِينَ) [النبأ : ٢٣] وأن تكون خبرا ثالثا : ل (كانَتْ مِرْصاداً) [النبأ : ٢١].