حب ما هم فيه في هذه الحياة.
وأدمج في ذلك الإشارة إلى دلائل قدرة الله تعالى وبديع صنعه.
[١ ـ ٤] (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (١) وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى (٢) وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (٤))
افتتاح الكلام بالقسم جار على أسلوب السورتين قبل هذه ، وغرض ذلك ما تقدم آنفا.
ومناسبة المقسم به للمقسم عليه أن سعي الناس منه خير ومنه شر وهما يماثلان النور والظلمة وأن سعي الناس ينبثق عن نتائج منها النافع ومنها الضار كما ينتج الذكر والأنثى ذرية صالحة وغير صالحة.
وفي القسم بالليل وبالنهار التنبيه على الاعتبار بهما في الاستدلال على حكمة نظام الله في هذا الكون وبديع قدرته ، وخص بالذكر ما في الليل من الدلالة من حالة غشيانه الجانب الذي يغشاه من الأرض. ويغشى فيه من الموجودات فتعمها ظلمته فلا تبدو للناظرين ، لأن ذلك أقوى أحواله ، وخص بالذكر من أحوال النهار حالة تجليته عن الموجودات وظهوره على الأرض كذلك.
وقد تقدم بيان الغشيان والتجلي في تفسير قوله : (وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها* وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها) في سورة الشمس [٣ ، ٤].
واختير القسم بالليل والنهار لمناسبته للمقام لأن غرض السورة بيان البون بين حال المؤمنين والكافرين في الدنيا والآخرة.
وابتدئ في هذه السورة بذكر الليل ثم ذكر النهار عكس ما في سورة الشمس لأن هذه السورة نزلت قبل سورة الشمس بمدة وهي سادسة السور وأيّامئذ كان الكفر مخيما على الناس إلا نفرا قليلا ، وكان الإسلام قد أخذ في التجلي فناسب تلك الحالة بالإشارة إلى تمثيلها بحالة الليل حين يعقبه ظهور النهار ، ويتضح هذا في جواب القسم بقوله : (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) إلى قوله : (إِذا تَرَدَّى) [الليل : ٤ ـ ١١].
وفي قوله : (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) إجمال يفيد التشويق إلى تفصيله بقوله : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى) [الليل : ٥] الآية ليتمكن تفصيله في الذهن.