[الليل : ١١].
والسّعي حقيقته : المشي القوي الحثيث ، وهو مستعار هنا للعمل والكدّ.
وشتّى : جمع شتيت على وزن فعلى مثل قتيل وقتلى ، مشتق من الشتّ وهو التفرق الشديد يقال : شتّ جمعهم ، إذا تفرقوا ، وأريد به هنا التنوع والاختلاف في الأحوال كما في قول تأبط شرّا :
قليل التشكي للملم يصيبه |
|
كثير الهوى شتّى النّوى والمسالك |
وهو استعارة أو كناية عن الأعمال المتخالفة لأن التفرق يلزمه الاختلاف.
والخطاب في قوله : (إِنَّ سَعْيَكُمْ) لجميع الناس من مؤمن وكافر.
واعلم أنه قد روي في «الصحيحين» عن علقمة قال : «دخلت في نفر من أصحاب عبد الله (يعني ابن مسعود) الشام فسمع بنا أبو الدرداء فأتانا فقال : أيكم يقرأ على قراءة عبد الله؟ فقلت : أنا. قال : كيف سمعته يقرأ؟ (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) قال سمعته يقرأ : «والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى» قال : أشهد أني سمعت النبي صلىاللهعليهوسلم يقرأ هكذا». وسماها في «الكشاف» : قراءة النبي صلىاللهعليهوسلم ، أي ثبت أنه قرأ بها ، وتأويل ذلك : أنه أقرأها أبا الدرداء أيام كان القرآن مرخّصا فيه أن يقرأ على بعض اختلاف ، ثم نسخ ذلك الترخيص بما قرأ به النبي صلىاللهعليهوسلم في آخر حياته وهو الذي اتفق عليه قراء القرآن. وكتب في المصحف في زمن أبي بكر رضياللهعنه ، وقد بينت في المقدمة السادسة من مقدمات هذا التفسير معنى قولهم : قراءة النبي صلىاللهعليهوسلم.
[٥ ـ ١١] (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (١٠) وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى (١١))
(فَأَمَّا) تفريع وتفصيل للإجمال في قوله : (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) [الليل : ٤] فحرف (أمّا) يفيد الشرط والتفصيل وهو يتضمن أداة شرط وفعل شرط لأنه بمعنى : مهما يكن من شيء ، والتفصيل : التفكيك بين متعدد اشتركت آحاده في حالة وانفرد بعضها عن بعض بحالة هي التي يعتنى بتمييزها. وقد تقدم تحقيقه عند قوله تعالى : (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ) في سورة الفجر [١٥].
والمحتاج للتفصيل هنا هو السعي المذكور ، ولكن جعل التفصيل ببيان الساعين