[١٤ ـ ٢١] (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (١٤) لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (١٨) وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (١٩) إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (٢٠) وَلَسَوْفَ يَرْضى (٢١))
يجوز أن تكون الفاء لمجرد التفريع الذكري إذا كان فعل : «أنذرتكم» مستعملا في ماضية حقيقة وكان المراد الإنذار الذي اشتمل عليه قوله : (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) إلى قوله : (تَرَدَّى) [الليل : ٨ ـ ١١]. وهذه الفاء يشبه معناها معنى فاء الفصيحة لأنها تدلّ على مراعاة مضمون الكلام الذي قبلها وهو تفريع إنذار مفصّل على إنذار مجمل.
ويجوز أن تكون الفاء للتفريع المعنوي فيكون فعل «أنذرتكم» مرادا به الحال وإنما صيغ في صيغة المضي لتقريب زمان الماضي من الحال كما في : قد قامت الصلاة ، وقولهم : عزمت عليك إلّا ما فعلت كذا ، أي أعزم عليك ، ومثل ما في صيغ العقود : كبعت ، وهو تفريع على جملة : (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى) [الليل : ١٢] والمعنى : هديكم فأنذرتكم إبلاغا في الهدى.
وتنكير (ناراً) للتهويل ، وجملة (تَلَظَّى) نعت. وتلظى : تلتهب من شدة الاشتعال. وهو مشتق من اللّظى مصدر : لظيت النار كرضيت إذا التهبت ، وأصل (تَلَظَّى) تتلظى بتاءين حذفت إحداهما للاختصار.
وجملة (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى) صفة ثانية أو حال من (ناراً) بعد أن وصفت.
وهذه نار خاصة أعدت للكافرين فهي التي في قوله : (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) [البقرة : ٢٤] والقرينة على ذلك قوله : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) الآية.
وذكر القرطبي أن أبا إسحاق الزجاج قال : هذه الآية التي من أجلها قال أهل الإرجاء بالإرجاء فزعموا : أن لا يدخل النار إلا كافر ، وليس الأمر كما ظنوا : هذه نار موصوفة بعينها لا يصلى هذه النار إلا الذي كذب وتولى ، ولأهل النار منازل فمنها أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ا ه.
والمعنى : لا يصلاها إلا أنتم.
وقد أتبع (الْأَشْقَى) بصفة (الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) لزيادة التنصيص على أنهم