مالك يقول : «كان النبي صلىاللهعليهوسلم جالسا وحياله حجر ، فقال : لو جاء العسر فدخل هذا الحجر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه فأنزل الله عزوجل : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) قال البزار : لا نعلم رواه عن أنس إلا عائذ بن شريح قال ابن كثير : وقد قال أبو حاتم الرازي : في حديث عائذ بن شريح ضعف.
وروى ابن جرير مثله عن ابن مسعود موقوفا ، ويجوز أن تكون جملة : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) معترضة بين جملة (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) [الشرح : ٤] وجملة : (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) [الشرح : ٧] تنبيها على أن الله لطيف بعباده فقدر أن لا يخلو عسر من مخالطة يسر وأنه لو لا ذلك لهلك الناس قال تعالى (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ) [النحل : ٦١].
وروي عن ابن عباس : يقول الله تعالى خلقت عسرا واحدا وخلقت يسرين ولن يغلب عسر يسرين ا ه.
والعسر : المشقة في تحصيل المرغوب والعمل المقصود.
واليسر ضده وهو : سهولة تحصيل المرغوب وعدم التعب فيه.
وجملة : (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) مؤكدة لجملة : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) وفائدة هذا التأكيد تحقيق اطراد هذا الوعد وتعميمه لأنه خبر عجيب.
ومن المفسرين من جعل اليسر في الجملة الأولى يسر الدنيا وفي الجملة الثانية يسر الآخرة وأسلوب الكلام العربي لا يساعد عليه لأنه متمحض لكون الثانية تأكيدا.
هذا وقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «لن يغلب عسر يسرين» قد ارتبط لفظه ومعناه بهذه الآية. وصرح في بعض رواياته بأنه قرأ هذه الآية حينئذ وتضافر المفسّرون على انتزاع ذلك منها فوجب التعرض لذلك ، وشاع بين أهل العلم أن ذلك مستفاد من تعريف كلمة العسر وإعادتها معرفة ومن تنكير كملة «يسر» وإعادتها منكّرة ، وقالوا : إن اللفظ النكرة إذا أعيد نكرة فالثاني غير الأول وإذا أعيد اللفظ معرفة فالثاني عين الأول كقوله تعالى : (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) [المزمل : ١٥ ، ١٦].
وبناء كلامهم على قاعدة إعادة النكرة معرفة خطأ لأن تلك القاعدة في إعادة النكرة معرفة لا في إعادة المعرفة معرفة وهي خاصة بالتعريف بلام العهد دون لام الجنس ، وهي أيضا في إعادة اللفظ في جملة أخرى والذي في الآية ليس بإعادة لفظ في كلام ثان بل