خطر ببال النبي صلىاللهعليهوسلم من تعذر القراءة عليه لأنه لا يعلم الكتابة فكيف القراءة إذ قال للملك: «ما أنا بقارئ» ثلاث مرات ، لأن قوله : «ما أنا بقارئ» اعتذار عن تعذر امتثال أمره بقوله : (اقْرَأْ) ؛ فالمعنى أن الذي علّم الناس الكتابة بالقلم والقراءة قادر على أن يعلمك القراءة وأنت لا تعلم الكتابة.
والقلم : شظيّة من قصب ترقق وتثقّف وتبرى بالسكين لتكون ملساء بين الأصابع ويجعل طرفها مشقوقا شقا في طول نصف الأنملة ، فإذا بلّ ذلك الطرف بسائل المداد يخط به على الورق وشبهه ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) في سورة آل عمران [٤٤].
وجملة : (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) خبر عن قوله : (وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) وما بينهما اعتراض.
وتعريف (الْإِنْسانَ) يجوز أن يكون تعريف الجنس فيكون ارتقاء في الإعلام بما قدره الله تعالى من تعليم الإنسان بتعميم التعليم بعد تخصيص التعليم بالقلم.
وقد حصلت من ذكر التعليم بالقلم والتعليم الأعم إشارة إلى ما يتلقاه الإنسان من التعاليم سواء كان بالدرس أم بمطالعة الكتب وأن تحصيل العلوم يعتمد أمورا ثلاثة :
أحدها : الأخذ عن الغير بالمراجعة ، والمطالعة ، وطريقهما الكتابة وقراءة الكتب فإن بالكتابة أمكن للأمم تدوين آراء علماء البشر ونقلها إلى الأقطار النائية وفي الأجيال الجائية.
والثاني : التلقي من الأفواه بالدرس والإملاء.
والثالث : ما تنقدح به العقول من المستنبطات والمخترعات. وهذان داخلان تحت قوله تعالى : (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ)
وفي ذلك اطمئنان لنفس النبيصلىاللهعليهوسلم بأن عدم معرفته الكتابة لا يحول دون قراءته لأن الله علّم الإنسان ما لم يعلم ، فالذي علّم القراءة لأصحاب المعرفة بالكتابة قادر على أن يعلمك القراءة دون سبق معرفة بالكتابة.
وأشعر قوله : (ما لَمْ يَعْلَمْ) أن العلم مسبوق بالجهل فكل علم يحصل فهو علم ما لم يكن يعلم من قبل ، أي فلا يؤيسنّك من أن تصير عالما بالقرآن والشريعة أنك لا تعرف