بعد انقضاء تلقينه الآيات الخمس إذ يكون نزولها عليه في آخر تلك الليلة وذلك أفضل أوقات الليل كما قال تعالى : (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ) [آل عمران : ١٧].
وليلة القدر : اسم جعله الله للّيلة التي ابتدئ فيها نزول القرآن. ويظهر أن أول تسميتها بهذا الاسم كان في هذه الآية ولم تكن معروفة عند المسلمين وبذلك يكون ذكرها بهذا الاسم تشويقا لمعرفتها ولذلك عقب بقوله : (وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) [القدر :٢].
والقدر الذي عرفت الليلة بالإضافة إليه هو بمعنى الشرف والفضل كما قال تعالى في سورة الدخان [٣] : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) ، أي ليلة القدر والشرف عند الله تعالى مما أعطاها من البركة فتلك ليلة جعل الله لها شرفا فجعلها مظهرا لما سبق به علمه فجعلها مبدأ الوحي إلى النبي صلىاللهعليهوسلم.
والتعريف في (الْقَدْرِ) تعريف الجنس. ولم يقل : في ليلة قدر ، بالتنكير لأنه قصد جعل هذا المركب بمنزلة العلم لتلك الليلة كالعلم بالغلبة ، لأن تعريف المضاف إليه باللام مع تعريف المضاف بالإضافة أوغل في جعل ذلك المركب لقبا لاجتماع تعريفين فيه.
وقد ثبت أن ابتداء نزول القرآن كان في شهر رمضان قال تعالى : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ) [البقرة : ١٨٥]. ولا شك أن المسلمين كانوا يعلمون ذلك إذ كان نزول هذه السورة قبل نزول سورة البقرة بسنين إن كانت السورة مكية أو بمدة أقل من ذلك إن كانت السورة مدنية ، فليلة القدر المرادة هنا كانت في رمضان وتأيد ذلك بالأخبار الصحيحة من كونها من ليالي رمضان في كل سنة.
وأكثر الروايات أن الليلة التي أنزل فيها القرآن على النبي صلىاللهعليهوسلم كانت ليلة سبع عشرة من رمضان. وسيأتي في تفسير الآيات عقب هذه الكلام في هل ليلة ذات عدد متماثل في جميع الأعوام أو تختلف في السنين؟ وفي هل تقع في واحدة من جميع ليالي رمضان أو لا تخرج عن العشر الأواخر منه؟ وهل هي مخصوصة بليلة وتر كما كانت أول مرّة أو لا تختص بذلك؟
والمقصود من تشريف الليلة التي كان ابتداء إنزال القرآن فيها تشريف آخر للقرآن بتشريف زمان ظهوره ، تنبيها على أنه تعالى اختار لابتداء إنزاله وقتا شريفا مباركا لأن عظم قدر الفعل يقتضي أن يختار لإيقاعه فضل الأوقات والأمكنة ، فاختيار فضل الأوقات لابتداء إنزاله ينبئ عن علوّ قدره عند الله تعالى كقوله : (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) [الواقعة: