والصحف : الأوراق والقراطيس التي تجعل لأن يكتب فيها ، وتكون من رق أو جلد ، أو من خرق. وتسمية ما يتلوه الرسول (صُحُفاً) مجاز بعلاقة الأيلولة لأنه مأمور بكتابته فهو عند تلاوته سيكون صحفا ، فهذا المجاز كقوله : (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) [يوسف : ٣٦]. وهذا إشارة إلى أن الله أمر رسوله صلىاللهعليهوسلم بكتابة القرآن في الصحف وما يشبه الصحف من أكتاف الشاء والخرق والحجارة ، وأن الوحي المنزل على الرسول سمي كتابا في قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ) [العنكبوت : ٥١] لأجل هذا المعنى.
وتعدية فعل (يَتْلُوا) إلى (صُحُفاً) مجاز مرسل مشهور ساوى الحقيقة قال تعالى : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ) [العنكبوت : ٤٨] ، وهو باعتبار كون المتلو مكتوبا ، وإنما كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يتلو عليهم القرآن عن ظهر قلب ولا يقرأه من صحف فمعنى (يَتْلُوا صُحُفاً) يتلو ما هو مكتوب في صحف والقرينة ظاهرة وهي اشتهار كونه صلىاللهعليهوسلم أمّيّا.
ووصف الصحف ب (مُطَهَّرَةً) وهو وصف مشتق من الطهارة المجازية ، أي كون معانيه لا لبس فيها ولا تشتمل على ما فيه تضليل ، وهذا تعريض ببعض ما في أيدي أهل الكتاب من التحريف والأوهام.
ووصف الصحف التي يتلوها رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأن فيها كتبا ، والكتب : جمع كتاب ، وهو فعال اسم بمعنى المكتوب ، فمعنى كون الكتب كائنة في الصحف أن الصحف التي يكتب فيها القرآن تشتمل على القرآن وهو يشتمل على ما تضمنته كتب الرسل السابقين مما هو خالص من التحريف والباطل ، وهذا كما قال تعالى : (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) [البقرة: ٩٧] وقال : (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) [الأعلى : ١٨ ، ١٩] ، فالقرآن زبدة ما في الكتب الأولى ومجمع ثمرتها ، فأطلق على ثمرة الكتب اسم كتب على وجه مجاز الجزئية.
والمراد بالكتب أجزاء القرآن أو سوره فهي بمثابة الكتب.
والقيّمة : المستقيمة ، أي شديدة القيام الذي هو هنا مجاز في الكمال والصواب وهذا من تشبيه المعقول بالمحسوس تشبيها بالقائم لاستعداده للعمل النافع ، وضده العوج قال تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً) [الكهف : ١ ، ٢] ، أي لم يجعل فيه نقص الباطل والخطأ ، فالقيّمة مبالغة في القائم مثل السيد للسائد والميت للمائت.