ولك أن تجعل الواو للحال فتكون الجملة حالا من الضمير في قوله : (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) [البينة : ١]. والمعنى والحال أن البينة قد أتتهم إذ جاء الإسلام بما صدّق قول الله تعالى لموسى عليهالسلام : «أقيم لهم نبيئا من وسط أخواتهم وأجعل كلامي في فمه» ، وقول عيسى عليهالسلام : «فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم».
والتعبير بالفعل المسند للمجهول مفيد معنيين ، أي ما أمروا في كتابهم إلا بما جاء به الإسلام. فالمعنى : وما أمروا في التوراة والإنجيل إلا أن يعبدوا الله مخلصين إلى آخره. فإن التوراة أكدت على اليهود تجنب عبادة الأصنام ، وأمرت بالصلاة ، وأمرت بالزكاة أمرا مؤكدا مكررا. وتلك هي أصول دين الإسلام قبل أن يفرض صوم رمضان والحج ، والإنجيل لم يخالف التوراة أو المعنى وما أمروا في الإسلام إلا بمثل ما أمرهم به كتابهم ، فلا معذرة لهم في الإعراض عن الإسلام على كلا التقديرين.
ونائب فاعل (أُمِرُوا) محذوف للعموم ، أي ما أمروا بشيء إلا بأن يعبدوا الله.
واللام في قوله : (لِيَعْبُدُوا اللهَ) هي اللام التي تكثر زيادتها بعد فعل الإرادة وفعل الأمر وتقدم ذكرها عند قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) في سورة النساء [٢٦] وقوله: (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) في سورة الأنعام [٧١] ، وسماها بعض النحاة لام (أن).
والإخلاص : التصفية والإنقاء ، أي غير مشاركين في عبادته معه غيره.
والدين : الطاعة قال تعالى : (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) [الزمر : ١٤].
وحنفاء : جمع حنيف ، وهو لقب للذي يؤمن بالله وحده دون شريك قال تعالى : (قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام : ١٦١].
وهذا الوصف تأكيد لمعنى : (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) مع التذكير بأن ذلك هو دين إبراهيم عليهالسلام الذي ملئت التوراة بتمجيده واتباع هداه.
وإقامة الصلاة من أصول شريعة التوراة كلّ صباح ومساء.
وإيتاء الزكاة : مفروض في التوراة فرضا مؤكدا.
واسم الإشارة في قوله : (وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) متوجّه إلى ما بعد حرف الاستثناء فإنه مقترن باللام المسماة (لام أن) المصدرية فهو في تأويل مفرد ، أي إلا بعبادة الله وإقامة