والتنوين فيه للتكثير ، والوصف باسم المصدر للمبالغة وهو بمعنى المفعول ، أي محسوبا مقدرا بحسب أعمالهم ، وهذا مقابل ما وقع في جزاء الطاغين من قوله (جَزاءً وِفاقاً) [النبأ : ٢٦].
وهذا الحساب مجمل هنا يبينه قوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) [الأنعام : ١٦٠] وقوله : (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ) البقرة [٢٦١].
وليس هذا الحساب للاحتراز عن تجاوز الحد المعيّن ، فذلك استعمال آخر كما في قوله تعالى : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) [الزمر : ١٠] ولكل آية مقامها الذي يجري عليه استعمال كلماتها فلا تعارض بين الآيتين.
ويجوز أن يكون (حِساباً) اسم مصدر أحسبه ، إذا أعطاه ما كفاه ، فهو بمعنى إحسابا ، فإن الكفاية يطلق عليها حسب بسكون السين فإنه إذا أعطاه ما كفاه قال : حسبي.
(رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً (٣٧))
(رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ)
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر برفع رب ورفع الرحمن ، وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب بخفضهما ، وقرأه حمزة والكسائي وخلف بخفض (رَبِ) ورفع الرحمن ، فأما قراءة رفع الاسمين ف رب خبر مبتدأ محذوف هو ضمير يعود على قوله : (مِنْ رَبِّكَ) [النبأ : ٣٦] على طريقة حذف المسند إليه حذفا سماه السكاكي حذفا لاتباع الاستعمال الوارد على تركه ، أي في المقام الذي يجري استعمال البلغاء فيه على حذف المسند إليه ، وذلك إذا جرى في الكلام وصف ونحوه لموصوف ثم ورد ما يصلح أن يكون خبرا عنه أو أن يكون نعتا له فيختار المتكلم أن يجعله خبرا لا نعتا ، فيقدر ضمير المنعوت ويأتي بخبر عنه وهو ما يسمى بالنعت المقطوع.
والمعنى : إن ربك هو ربهم لأنه رب السماوات والأرض وما بينهما ولكن المشركين عبدوا غيره جهلا وكفرا لنعمته. والرحمن خبر ثان.
وأما قراءة جر الاسمين فهي جارية على أن (رَبِّ السَّماواتِ) نعت ل (رَبِّكَ) من قوله : (جَزاءً مِنْ رَبِّكَ) [النبأ : ٣٦] و (الرَّحْمنِ) نعت ثان.