شرطت لهم فعملوا حتى إذا كان حين صلاة العصر قالوا : لك ما عملنا باطل ولك الأجر الذي جعلت لنا ، واستأجر قوما أن يعملوا بقية يومهم فعملوا حتى غابت الشمس واستكملوا أجر الفريقين كليهما فأنتم هم». فلعل ذلك التمثيل النبوي له اتصال بالرمز إلى عصر الإسلام في هذه الآية.
ويجوز أن يفسر العصر في هذه الآية بالزمان كله ، قال ابن عطية : قال أبي بن كعب: سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن العصر فقال : أقسم ربكم بآخر النهار. وهذه المعاني لا يفي باحتمالها غير لفظ العصر.
ومناسبة القسم بالعصر لغرض السورة على إرادة عصر الإسلام ظاهرة فإنها بينت حال الناس في عصر الإسلام بين من كفر به ومن آمن واستوفى حظه من الأعمال التي جاء بها الإسلام ، ويعرف منه حال من أسلموا وكان في أعمالهم تقصير متفاوت ، أما أحوال الأمم التي كانت قبل الإسلام فكانت مختلفة بحسب مجيء الرسل إلى بعض الأمم ، وبقاء بعض الأمم بدون شرائع متمسكة بغير دين الإسلام من الشرك أو بدين جاء الإسلام لنسخه مثل اليهودية والنصرانية قال تعالى : (مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) في سورة آل عمران [٨٥].
وتعريف (الْإِنْسانَ) تعريف الجنس مراد به الاستغراق وهو استغراق عرفي لأنه يستغرق أفراد النوع الإنساني الموجودين في زمن نزول الآية وهو زمن ظهور الإسلام كما علمت قريبا. ومخصوص بالناس الذين بلغتهم الدعوة في بلاد العالم على تفاوتها. ولما استثني منه الذين آمنوا وعملوا الصالحات بقي حكمه متحققا في غير المؤمنين كما سيأتي ...
والخسر : مصدر وهو ضد الربح في التجارة ، استعير هنا لسوء العاقبة لمن يظن لنفسه عاقبة حسنة ، وتلك هي العاقبة الدائمة وهي عاقبة الإنسان في آخرته من نعيم أو عذاب.
وقد تقدم في قوله تعالى (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) في سورة البقرة [١٦] وتكررت نظائره من القرآن آنفا وبعيدا.
والظرفية في قوله : (لَفِي خُسْرٍ) مجازية شبهت ملازمة الخسر بإحاطة الظرف بالمظروف فكانت أبلغ من أن يقال : إن الإنسان لخاسر.