ومجيء هذا الخبر على العموم مع تأكيده بالقسم وحرف التوكيد في جوابه ، يفيد التهويل والإنذار بالحالة المحيطة بمعظم الناس.
وأعقب بالاستثناء بقوله : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) الآية فيتقرر الحكم تاما في نفس السامع مبينا أن الناس فريقان : فريق يلحقه الخسران ، وفريق لا يلحقه شيء منه ، فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لا يلحقهم الخسران بحال إذا لم يتركوا شيئا من الصالحات بارتكاب أضدادها وهي السيئات.
ومن أكبر الأعمال الصالحات التوبة من الذنوب لمقترفيها ، فمن تحقق فيه وصف الإيمان ولم يعمل السيئات أو عملها وتاب منها فقد تحقق له ضد الخسران وهو الربح المجازي ، أي حسن عاقبة أمره ، وأما من لم يعمل الصالحات ولم يتب من سيئاته فقد تحقق فيه حكم المستثنى منه وهو الخسران.
وهذا الخسر متفاوت فأعظمه وخالده الخسر المنجر عن انتفاء الإيمان بوحدانية الله وصدق الرسول صلىاللهعليهوسلم ودون ذلك تكون مراتب الخسر متفاوتة بحسب كثرة الأعمال السيئة ظاهرها وباطنها. وما حدده الإسلام لذلك من مراتب الأعمال وغفران بعض اللمم إذا ترك صاحبه الكبائر والفواحش وهو ما فسر به قوله تعالى : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) [هود : ١١٤].
وهذا الخبر مراد به الحصول في المستقبل بقرينة مقام الإنذار والوعيد ، أي لفي خسر في الحياة الأبدية الآخرة فلا التفات إلى أحوال الناس في الحياة الدنيا ، قال تعالى : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) [آل عمران : ١٩٦ ، ١٩٧].
وتنكير (خُسْرٍ) يجوز أن يكون للتنويع ، ويجوز أن يكون مفيدا للتعظيم والتعميم في مقام التهويل وفي سياق القسم.
والمعنى : إن الناس لفي خسران عظيم وهم المشركون.
والتعريف في قوله : (الصَّالِحاتِ) تعريف الجنس مراد به الاستغراق ، أي عملوا جميع الأعمال الصالحة التي أمروا بعملها بأمر الدين وعمل الصالحات يشمل ترك السيئات. وقد أفاد استثناء المتصفين بمضمون الصلة ومعطوفها إيماء إلى علة حكم الاستثناء وهو نقيض الحكم الثابت للمستثنى منه فإنهم ليسوا في خسر لأجل أنهم آمنوا