أغراضها
أمر قريش بتوحيد الله تعالى بالربوبية تذكيرا لهم بنعمة أنّ الله مكّن لهم السير في الأرض للتجارة برحلتي الشتاء والصيف لا يخشون عاديا يعدو عليهم.
وبأنه أمنهم من المجاعات وأمّنهم من المخاوف لما وقر في نفوس العرب من حرمتهم لأنهم سكان الحرم وعمّار الكعبة.
وبما ألهم الناس من جلب الميرة إليهم من الآفاق المجاورة كبلاد الحبشة.
وردّ القبائل فلا يغير على بلدهم أحد قال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ) [العنكبوت : ٦٧] فأكسبهم ذلك مهابة في نفوس الناس وعطفا منهم.
[١ ـ ٤] (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (٢) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (٤))
افتتاح مبدع إذ كان بمجرور بلام التعليل وليس بإثره بالقرب ما يصلح للتعليق به ففيه تشويق إلى متعلق هذا المجرور. وزاده الطول تشويقا إذ فصل بينه وبين متعلّقه (بالفتح) بخمس كلمات ، فيتعلق (لِإِيلافِ) بقوله : (فَلْيَعْبُدُوا).
وتقديم هذا المجرور للاهتمام به إذ هو من أسباب أمرهم بعبادة الله التي أعرضوا عنها بعبادة الأصنام والمجرور متعلق بفعل «ليعبدوا».
وأصل نظم الكلام : لتعبد قريش ربّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف ، فلما اقتضى قصد الاهتمام بالمعمول تقديمه على عامله ، تولّد من تقديمه معنى جعله شرطا لعامله فاقترن عامله بالفاء التي هي من شأن جواب الشرط ، فالفاء الداخلة في قوله : (فَلْيَعْبُدُوا) مؤذنة بأن ما قبلها في قوة الشرط ، أي مؤذنة بأن تقديم المعمول مقصود به اهتمام خاص وعناية قوية هي عناية المشترط بشرطه ، وتعليق بقية كلامه عليه لما ينتظره من جوابه ، وهذا أسلوب من الإيجاز بديع.
قال في «الكشاف» : دخلت الفاء لما في الكلام من معنى الشرط لأن المعنى إمّا لا فليعبدوه لإيلافهم ، أي أن نعم الله عليهم لا تحصى فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه الواحدة التي هي نعمة ظاهرة ا ه.