هو أهله من خير أو شر فكأنّ ما عداه من الأيام المشهورة في تاريخ البشر غير ثابت الوقوع.
وفرّع عليه (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً) بفاء الفصيحة لإفصاحها عن شرط مقدر ناشئ عن الكلام السابق. والتقدير : فإذا علمتم ذلك كله فمن شاء اتخاذ مآب عند ربه فليتخذه ، أي فقد بان لكم ما في ذلك اليوم من خير وشر فليختر صاحب المشيئة ما يليق به للمصير في ذلك اليوم. والتقدير : مآبا فيه ، أي في اليوم.
وهذا التفريع من أبدع الموعظة بالترغيب والترهيب عند ما تسنح الفرصة للواعظ من تهيّؤ النفوس لقبول الموعظة.
والاتخاذ : مبالغة في الأخذ ، أي أخذ أخذا يشبه المطاوعة في التمكن ، فالتاء فيه ليست للمطاوعة الحقيقة بل هي مجاز وصارت بمنزلة الأصلية.
والاتخاذ : الاكتساب والجعل ، أي ليقتن مكانا بأن يؤمن ويعمل صالحا لينال مكانا عند الله لأنّ المآب عنده لا يكون إلا خيرا.
فقوله : (إِلى رَبِّهِ) دل على أنه مآب خير لأن الله لا يرضى إلا بالخير.
والمآب يكون اسم مكان من آب ، إذا رجع فيطلق على المسكن لأن المرء يئوب إلى مسكنه ، ويكون مصدرا ميميا وهو الأوب ، أي الرجوع كقوله تعالى : (إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ) [الرعد : ٣٦] ، أي رجوعي ، أي فليجعل أوبا مناسبا للقاء ربه ، أي أوبا حسنا.
(إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (٤٠))
(إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً).
اعتراض بين (مَآباً) [النبأ : ٣٩] وبين (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) كيفما كان موقع ذلك الظرف حسبما يأتي.
والمقصود من هذه الجملة الإعذار للمخاطبين بقوارع هذه السورة بحيث لم يبق بينهم وبين العلم بأسباب النجاة وضدها شبهة ولا خفاء.
فالخبر وهو (إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً) مستعمل في قطع العذر وليس مستعملا في