كانت أربعا ، قال ابن عطية : وهذا قول مردود ، وصدق ابن عطية ، فإن كون أصحاب العهد الذي كان به الإيلاف أربعة لا يقتضي أن تكون الرحلات أربعا ، فإن ذلك لم يقله أحد ، ولعل هؤلاء الأخوة كانوا يتداولون السفر مع الرحلات على التناوب لأنهم المعروفون عند القبائل التي تمر عليهم العير ، أو لأنهم توارثوا ذلك بعد موت هاشم فكانت تضاف العير إلى أحدهم كما أضافوا العير التي تعرّض المسلمون لها يوم بدر عير أبي سفيان إذ هو يومئذ سيد أهل الوادي بمكة.
ومعنى الآية تذكير قريش بنعمة الله عليهم إذ يسر لهم ما لم يتأت لغيرهم من العرب من الأمن من عدوان المعتدين وغارات المغيرين في السنة كلها بما يسر لهم من بناء الكعبة وشرعة الحج وأن جعلهم عمار المسجد الحرام وجعل لهم مهابة وحرمة في نفوس العرب كلهم في الأشهر الحرم وفي غيرها.
وعند القبائل التي تحرّم الأشهر الحرم والقبائل التي لا تحرّمها مثل طيئ وقضاعة وخثعم ، فتيسرت لهم الأسفار في بلاد العرب من جنوبها إلى شمالها ، ولاذ بهم أصحاب الحاجات يسافرون معهم ، وأصحاب التجارات يحمّلونهم سلعهم ، وصارت مكة وسطا تجلب إليها السلع من جميع البلاد العربية فتوزع إلى طالبيها في بقية البلاد ، فاستغنى أهل مكة بالتجارة إذ لم يكونوا أهل زرع ولا ضرع إذ كانوا بواد غير ذي زرع وكانوا يجلبون أقواتهم فيجلبون من بلاد اليمن الحبوب من برّ وشعير وذرة وزبيب وأديم وثياب والسيوف اليمانية ، ومن بلاد الشام الحبوب والتمر والزيت والزبيب والثياب والسيوف المشرفية ، زيادة على ما جعل لهم مع معظم العرب من الأشهر الحرم ، وما أقيم لهم من مواسم الحج وأسواقه كما يشير إليه قوله تعالى : (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) فذلك وجه تعليل الأمر بتوحيدهم الله بخصوص نعمة هذا الإيلاف مع أن الله عليهم نعما كثيرة لأن هذا الإيلاف كان سببا جامعا لأهم النعم التي بها قوام بقائهم.
وقد تقدم آنفا الكلام على معنى الفاء من قوله : (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) على الوجوه كلها.
والعبادة التي أمروا بها عبادة الله وحده دون إشراك الشركاء معه في العبادة لأن إشراك من لا يستحق العبادة مع الله الذي هو الحقيق بها ليس بعبادة أو لأنهم شغلوا بعبادة الأصنام عن عبادة الله فلا يذكرون الله إلا في أيام الحج في التلبية على أنهم قد زاد بعضهم فيها بعد قولهم : لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك.