أغراضها
وسبب نزولها فيما حكاه الواحدي في «أسباب النزول» وابن إسحاق في «السيرة» أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يطوف بالكعبة فاعترضه الأسود بن المطلب بن أسد ، والوليد بن المغيرة وأمية بن خلف ، والعاص بن وائل. وكانوا ذوي أسنان في قومهم فقالوا : يا محمد هلمّ فلنعبد ما تعبد سنة وتعبد ما نعبد سنة فنشترك نحن وأنت في الأمر ، فإن كان الذي تعبد خيرا مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه وإن كان ما نعبد خيرا مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه فقال : معاذ الله أن أشرك به غيره ، فأنزل الله فيهم : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) السورة كلها ، فغدا رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المسجد الحرام وفيه الملأ من قريش فقرأها عليهم فيئسوا منه عند ذلك (وإنما عرضوا عليه ذلك لأنهم رأوا حرصه على أن يؤمنوا فطمعوا أن يستنزلوه إلى الاعتراف بإلهية أصنامهم).
وعن ابن عباس : فيئسوا منه وآذوه وآذوا أصحابه.
وبهذا يعلم الغرض الذي اشتملت عليه وأنه تأييسهم من أن يوافقهم في شيء مما هم عليه من الكفر بالقول الفصل المؤكد في الحال والاستقبال وأن دين الإسلام لا يخالط شيئا من دين الشرك.
[١ ـ ٣] (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (٢) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٣))
افتتاحها ب (قُلْ) للاهتمام بما بعد القول بأنه كلام يراد إبلاغه إلى الناس بوجه خاص منصوص فيه على أنه مرسل بقول يبلغه وإلا فإن القرآن كله مأمور بإبلاغه ، ولهذه الآية نظائر في القرآن مفتتحة بالأمر بالقول في غير جواب عن سؤال منها : (قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ) في سورة الجمعة [٦] والسور المفتتحة بالأمر بالقول خمس سور : (قُلْ أُوحِيَ) [الجن : ١] ، وسورة الكافرون ، وسورة الإخلاص ، والمعوّذتان ، فالثلاث الأول لقول يبلّغه ، والمعوّذتان لقول يقوله لتعويذ نفسه.
والنداء موجه إلى الأربعة الذين قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم : فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد ، كما في خبر سبب النزول وذلك الذي يقتضيه قوله : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) كما سيأتي.
وابتدئ خطابهم بالنداء لإبلاغهم ، لأن النداء يستدعي إقبال أذهانهم على ما سيلقى