كان اللبس مأمونا. وقال السهيلي في «الروض الأنف» : إن (ما) الموصولة يؤتى بها لقصد الإبهام لتفيد المبالغة في التفخيم كقول العرب : سبحان ما سبّح الرعد بحمده ، وقوله تعالى : (وَالسَّماءِ وَما بَناها) كما تقدم في سورة الشمس [٥].
(وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (٤))
عطف على (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) [الكافرون : ٣] عطف الجملة على الجملة لمناسبة نفي أو يعبدوا الله فأردف بنفي أن يعبد هو آلهتهم ، وعطفه بالواو صارف عن أن يكون المقصود به تأكيد (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) فجاء به على طريقة : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) بالجملة الاسمية. للدلالة على الثبات ، وبكون الخبر اسم فاعل دالا على زمان الحال ، فلما نفى عن نفسه أن يعبد في المستقبل ما يعبدونه بقوله : (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) كما تقدم آنفا ، صرح هنا بما تقتضيه دلالة الفحوى على نفي أن يعبد آلهتهم في الحال ، بما هو صريح الدلالة على ذلك لأن المقام يقتضي مزيد البيان ، فاقتضى الاعتماد على دلالة المنطوق إطنابا في الكلام ، لتأييسهم مما راودوه عليه ولمقابلة كلامهم المردود بمثله في إفادة الثبات. وحصل من ذلك تقرير المعنى السابق وتأكيده ، تبعا لمدلول الجملة لا لموقعها ، لأن موقعها أنها عطف على جملة : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) وليست توكيدا لجملة : (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) بمرادفها لأن التوكيد للفظ بالمرادف لا يعرف إلا في المفردات ولأن وجود الواو يعيّن أنها معطوفة إذ ليس في جملة : (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) واو حتى يكون الواو في هذه الجملة مؤكدا لها.
ولا يجوز الفصل بين الجملتين بالواو لأن الواو لا يفصل بها بين الجملتين في التوكيد اللفظي. والأجود الفصل ب (ثم) كما في «التسهيل» مقتصرا على (ثم). وزاد الرضي الفاء ولم يأت له بشاهد ولكنه قال : «وقد تكون (ثم) والفاء لمجرد التدرج في الارتقاء وإن لم يكن المعطوف مترتبا في الذكر على المعطوف عليه وذلك إذا تكرر الأول بلفظه نحو : بالله ، فالله ، ونحو والله ثم والله».
وجيء بالفعل الماضي في قوله : (ما عَبَدْتُّمْ) للدلالة على رسوخهم في عبادة الأصنام من أزمان مضت ، وفيه رمز إلى تنزهه صلىاللهعليهوسلم من عبادة الأصنام من سالف الزمان وإلا لقال : ولا أنا عابد ما كنا نعبد.
(وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٥))