عطف على جملة : (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) [الكافرون : ٤] لبيان تمام الاختلاف بين حاله وحالهم وإخبار بأنهم لا يعبدون الله إخبارا ثانيا تنبيها على أن الله أعلمه بأنهم لا يعبدون الله ، وتقوية لدلالة هذين الإخبار على نبوءته صلىاللهعليهوسلم فقد أخبر عنهم بذلك فمات أولئك كلهم على الكفر وكانت هذه السورة من دلائل النبوءة.
وقد حصل من ذكر هذه الجملة بمثل نظيرتها السابقة توكيد للجملة السابقة توكيدا للمعنى الأصلي منها ، وليس موقعها موقع التوكيد لوجود واو العطف كما علمت آنفا في قوله : (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ)
ولذلك فالواو في قوله هنا : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) عاطفة جملة على جملة لأجل ما اقتضته جملة : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) من المناسبة.
ويجوز أن تكون جملة (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) تأكيدا لفظيا لنظيرتها السابقة بتمامها بما فيها من واو العطف في نظيرتها السابقة وتكون جملة : (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) معترضة بين التأكيد والمؤكد.
والمقصود من التأكيد تحقيق تكذيبهم في عرضهم أنهم يعبدون رب محمدصلىاللهعليهوسلم.
(لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦))
تذييل وفذلكة للكلام السابق بما فيه من التأكيدات ، وقد أرسل هذا الكلام إرسال المثل وهو أجمع وأوجز من قول قيس بن الخطيم :
نحن بما عندنا وأنت بما |
|
عندك راض والرأي مختلف |
ووقع في «تفسير الفخر» هنا : «جرت عادة الناس بأن يتمثلوا بهذه الآية عند المتاركة وذلك غير جائز لأنه تعالى ما أنزل القرآن ليتمثل به بل ليتدبّر فيه ثم يعمل بموجبه»اه.
وهذا كلام غير محرر لأن التمثل به لا ينافي العمل بموجبه وما التمثل به إلا من تمام بلاغته واستعداد للعمل به. وهذا المقدار من التفسير تركه الفخر في المسودة.
وقدم في كلتا الجملتين المسند على المسند إليه ليفيد قصر المسند إليه على المسند ، أي دينكم مقصور على الكون بأنه لكم لا يتجاوزكم إلى الكون لي ، وديني مقصور على الكون بأنه لا يتجاوزني إلى كونه لكم ، أي لأنهم محقق عدم إسلامهم. فالقصر قصر إفراد ، واللام في الموضعين لشبه الملك وهو الاختصاص أو الاستحقاق.