و (إِذا) هنا مضمنة الشرط لا محالة لوجود الفاء في قوله : (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) وقضية الاستقبال وعدمه تقدمت.
والنصر : الإعانة على العدوّ. ونصر الله يعقبه التغلب على العدو. و (الْفَتْحُ) : امتلاك بلد العدوّ وأرضه لأنه يكون بفتح باب البلد كقوله تعالى : (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ) [المائدة : ٢٣] ، ويكون باقتحام ثغور الأرض ومحارسها فقد كانوا ينزلون بالأرضين التي لها شعاب وثغور قال لبيد :
وأجنّ عورات الثغور ظلامها
وقد فتح المسلمون خيبر قبل نزول هذه الآية فتعين أن الفتح المذكور فيها فتح آخر وهو فتح مكة كما يشعر به التعريف بلام العهد ، وهو المعهود في قوله تعالى : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً* لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً* وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً) [الفتح : ١ ـ ٣].
فإضافة (نَصْرُ) إلى (اللهِ) تشعر بتعظيم هذا النصر وأنه نصر عزيز خارق للعادة اعتنى الله بإيجاد أسبابه ولم تجر على متعارف تولد الحوادث عن أمثالها.
و (جاءَ) مستعمل في معنى : حصل وتحقق مجازا.
والتعريف في «الفتح» للعهد وقد وعد الله رسوله صلىاللهعليهوسلم به غير مرة من ذلك قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) [القصص : ٨٥] وقوله : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً) [الفتح : ٢٧]. وهذه الآية نزلت عام الحديبية وذلك قبل نزول سورة (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ) على جميع الأقوال.
وقد اتفقت أقوال المفسرين من السلف فمن بعدهم على أن الفتح المذكور في هذه السورة هو فتح مكة إلا رواية عن سعيد بن جبير عن ابن عباس هو فتح المدائن والقصور ، يعنون الحصون. وقد كان فتح مكة يخالج نفوس العرب كلهم فالمسلمون كانوا يرجونه ويعلمون ما أشار به القرآن من الوعد به وأهل مكة يتوقعونه وبقية العرب ينتظرون ما ذا يكون الحال بين أهل مكة وبين النبي صلىاللهعليهوسلم ويتلومون بدخولهم في الإسلام فتح مكة يقولون : إن ظهر محمد على قومه فهو نبيء. وتكرر أن صدّ بعضهم بعضا ممن يريد اتباع الإسلام عن الدخول فيه وإنظاره إلى ما سيظهر من غلب الإسلام أو غلب الشرك.