أغراضها
إرشاد النبي صلىاللهعليهوسلم لأن يتعوذ بالله ربه من شر الوسواس الذي يحاول إفساد عمل النبيصلىاللهعليهوسلم وإفساد إرشاده الناس ويلقي في نفوس الناس الإعراض عن دعوته. وفي هذا الأمر إيماء إلى أن الله تعالى معيذه من ذلك فعاصمه في نفسه من تسلط وسوسة الوسواس عليه ، ومتمم دعوته حتى تعمّ في الناس. ويتبع ذلك تعليم المسلمين التعوذ بذلك ، فيكون لهم من هذا التعوذ ما هو حظهم من قابلية التعرض إلى الوسواس ، ومع السلامة منه بمقدار مراتبهم في الزلفى.
[١ ـ ٦] (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلهِ النَّاسِ (٣) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦))
شابهت فاتحتها فاتحة سورة الفلق إلا أن سورة الفلق تعوّذ من شرور المخلوقات من حيوان وناس ، وسورة الناس تعوّذ من شرور مخلوقات خفيّة وهي الشياطين.
والقول في الأمر بالقول ، وفي المقول ، وفي أن الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم ، والمقصود شموله أمته ، كالقول في نظيرة من سورة الفلق سواء.
وعرّف (رب) بإضافته إلى (النَّاسِ) دون غيرهم من المربوبين لأن الاستعاذة من شر يلقيه الشيطان في قلوب الناس فيضلّون ويضلون ، فالشر المستعاذ منه مصبه إلى الناس ، فناسب أن يستحضر المستعاذ إليه بعنوان أنه رب من يلقون الشر ومن يلقى إليهم ليصرف هؤلاء ويدفع عن الآخرين كما يقال لمولى العبد : يا مولى فلان كف عني عبدك.
وقد رتبت أوصاف الله بالنسبة إلى الناس ترتيبا مدرّجا فإن الله خالقهم ، ثم هم غير خارجين عن حكمة إذا شاء أن يتصرف في شئونهم ، ثم زيد بيانا بوصف إلهيته لهم ليتبين أن ربوبيته لهم وحاكميته فيهم ليست كربوبية بعضهم بعضا وحاكمية بعضهم في بعض.
وفي هذا الترتيب إشعار أيضا بمراتب النظر في معرفة الله تعالى فإن الناظر يعلم بادئ ذي بدء بأن له ربا يسبب ما يشعر به من وجود نفسه ، ونعمة تركيبه ، ثم يتغلغل في النظر فيشعر بأن ربه هو الملك الحقّ الغني عن الخلق ، ثم يعلم أنه المستحق للعبادة فهو إله الناس كلهم.