وفاء (فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) للتفريع على جملة (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ) و (إذا) للمفاجأة ، أي الحصول دون تأخير فحصل تأكيد معنى التفريع الذي أفادته الفاء وذلك يفيد عدم الترتب بين الزجرة والحصول في الساهرة.
والزّجرة : المرّة من الزجر ، وهو الكلام الذي فيه أمر أو نهي في حالة غضب ، يقال : زجر البعير ، إذا صاح له لينهض أو يسير ، وعبر بها هنا عن أمر الله بتكوين أجساد الناس الأموات تصويرا لما فيه من معنى التسخير لتعجيل التكوّن. وفيه مناسبة لإحياء ما كان هامدا كما يبعث البعير البارك بزجرة ينهض بها سريعا خوفا من زاجره. وقد عبر عن ذلك بالصيحة في قوله تعالى : (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) [ق : ٤٢] وهو الذي عبّر عنه بالنفخ في الصّور.
ووصفت الزجرة بواحدة تأكيدا لما في صيغة المرة من معنى الوحدة لئلا يتوهم أن إفراده للنوعية ، وهذه الزجرة هي النفخة الثانية التي في قوله تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) [الزمر : ٦٨] فهي ثانية للتي قبلها ، وهي (الرَّادِفَةُ) التي تقدم ذكرها آنفا وإنما أريد بكونها واحدة أنها لا تتبع بثانية لها ، وقد وصفت بواحدة في صورة الحاقة بهذا الاعتبار.
و (الساهرة) : الأرض المستوية البيضاء التي لا نبات فيها يختار مثلها لاجتماع الجموع ووضع المغانم. وأريد بها أرض يجعلها الله لجمع الناس للحشر.
والإتيان ب (إذا) الفجائية للدلالة على سرعة حضورهم بهذا المكان عقب البعث.
وعطفها بالفاء لتحقيق ذلك المعنى الذي أفادته (إذا) لأن الجمع بين المفاجأة والتفريع أشد ما يعبر به عن السرعة مع إيجاز اللفظ.
والمعنى : أن الله يأمر بأمر التكوين بخلق أجساد تحلّ فيها الأرواح التي كانت في الدنيا فتحضر في موقف الحشر للحساب بسرعة.
[١٥ ـ ١٩] (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (١٥) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٦) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (١٧) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (١٩))
هذه الآية اعتراض بين جملة (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ) [النازعات : ١٣] وبين جملة (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً) [النازعات : ٢٧] الذي هو الحجة على إثبات البعث ثم الإنذار بما بعده