موسى إلى ما لا ينافي عقائده فيصغي إليه سمعه حتى إذا سمع قوله وحجته داخله الإيمان الحق مدرّجا ، ففي هذا الأسلوب استنزال لطائره.
والخشية : الخوف فإذا أطلقت في لسان الشرع يراد بها خشية الله تعالى ، ولهذا نزل فعلها هنا منزلة اللازم فلم يذكر له مفعول لأن المخشي معلوم مثل فعل الإيمان في لسان الشرع يقال : آمن فلان ، وفلان مؤمن ، أي مؤمن بالله ووحدانيته.
[٢٠ ـ ٢٤] (فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (٢٠) فَكَذَّبَ وَعَصى (٢١) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (٢٢) فَحَشَرَ فَنادى (٢٣) فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (٢٤))
الفاء في قوله : (فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى) فصيحة وتفريع على محذوف يقتضيه قوله (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ) [النازعات : ١٧]. والتقدير : فذهب فدعاه فكذبه فأراه الآية الكبرى ، وذلك لأن قوله : (إِنَّهُ طَغى) [النازعات : ١٧] يؤذن بأنه سيلاقي دعوة موسى بالاحتقار والإنكار ، لأن الطغيان مظنّة ذينك ، فعرض موسى عليه إظهار آية تدل على صدق دعوته لعله يوقن كما قال تعالى : (قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) [الشعراء : ٣٠ ـ ٣٢] ، فتلك هي الآية الكبرى المرادة هنا.
والآية : حقيقتها العلامة والأمارة ، وتطلق على الحجة المثبتة لأنها علامة على ثبوت الحق ، وتطلق على معجزة الرسول لأنها دليل على صدق الرسول وهو المراد هنا.
وأعقب فعل (فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى) بفعل (فَكَذَّبَ) للدلالة على شدة عناده ومكابرته حتى أنه رأى الآية فلم يتردد ولم يتمهل حتى ينظر في الدلالة ، بل بادر إلى التكذيب والعصيان.
والمراد بعصيانه عصيان أمر الله أن يوحده أو أن يطلق بني إسرائيل من استعبادهم وتسخيرهم للخدمة في بلاده.
وعطف (ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى) ب (ثُمَ) للدلالة على التراخي الرتبي كما هو شأنها في عطف الجمل ، فأفادت (ثُمَ) أن مضمون الجملة المعطوفة بها أعلى رتبة في الغرض الذي تضمنته الجملة قبلها ، أي أنه ارتقى من التكذيب والعصيان إلى ما هو أشد وهو الإدبار والسعي وادعاء الإلهية لنفسه ، أي بعد أن فكّر مليا لم يقتنع بالتكذيب والعصيان فخشي أنه إن سكت ربما تروج دعوة موسى بين الناس فأراد الحيطة لدفعها وتحذير الناس منها.
والإدبار والسعي مستعملان في معنييهما المجازيين فإن حقيقة الإدبار هو المشي إلى