والقول الذي نادى به هو تذكير قومه بمعتقدهم فيه فإنهم كانوا يعتبرون ملك مصر إلها لأن الكهنة يخبرونهم بأنه ابن (آمون رع) الذي يجعلونه إلها ومظهره الشمس.
وصيغة الحصر في (أَنَا رَبُّكُمُ) لردّ دعوة موسى.
وقوله : (فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) بدل من جملة (فَنادى) بدلا مطابقا بإعادة حرف العطف ، وهو الفاء لأن البدل قد يقترن بمثل العامل في المبدل منه لقصد التأكيد كما في قوله تعالى : (وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ) وتقدم في سورة الأنعام [٩٩].
ويجوز أن تكون جملة : (فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ) عطفا على جملة (يَسْعى) على أن يكون فرعون أمر بهذا القول في أنحاء مملكته ، وليس قاصرا على إعلانه في الحشر الذين حشرهم حول قصره.
فوصف نفسه بالرب الأعلى لأنه ابن (أمون رع) وهو الرّب الأعلى ، فابنه هو القائم بوصفه ، أو لأنه كان في عصر اعتقاده : أن فرعون رب الأرباب المتعددة عندهم فصفة (الْأَعْلى) صفة كاشفة.
[٢٥ ، ٢٦] (فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (٢٥) إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (٢٦))
جملة (فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى) مفرعة عن الجمل التي قبلها ، أي كان ما ذكر من تكذيبه وعصيانه وكيده سببا لأن أخذه الله ، وهذا هو المقصود من سوق القصة وهو مناط موعظة المشركين وإنذارهم ، مع تسلية النبي صلىاللهعليهوسلم وتثبيته.
وحقيقة الأخذ : التناول باليد ، ويستعار كثيرا للمقدرة والغلبة كما قال تعالى : (فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ) [القمر : ٤٢] وقال : (فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً) [الحاقة : ١٠]. والمعنى : فلم يفلت من عقاب الله.
والنكال : اسم مصدر نكّل به تنكيلا وهو مثل : السّلام ، بمعنى التسليم.
ومعنى النكال : إيقاع أذى شديد على الغير من التشهير بذلك بحيث ينكّل ، أي يرد ويصرف من يشاهده عن أن يأتي بمثل ما عومل به المنكّل به ، فهو مشتق من النكول وهو النكوص والهروب ، قال تعالى : (فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها) في سورة البقرة [٦٦].
وانتصب (نَكالَ) على المفعولية المطلقة لفعل «أخذه» مبين لنوع الأخذ بنوعين منه لأن الأخذ يقع بأحوال كثيرة.