وتعريف (النَّفْسَ) في قوله : (وَنَهَى النَّفْسَ) هو مثل التعريف في (الْمَأْوى) وفي تعريف «أصحاب الجحيم» و «أصحاب الجنة» بطريق الموصول إيماء إلى أن الصلتين علتان في استحقاق ذلك المأوى.
[٤٢ ـ ٤٥] (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (٤٣) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (٤٤) إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (٤٥))
استئناف بياني منشؤه أن المشركين كانوا يسألون عن وقت حلول الساعة التي يتوعدهم بها النبي صلىاللهعليهوسلم كما حكاه الله عنهم غير مرة في القرآن كقوله : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [يونس : ٤٨].
وكان سؤالهم استهزاء واستخفافا لأنهم عقدوا قلوبهم على استحالة وقوع الساعة وربما طلبوا التعجيل بوقوعها وأوهموا أنفسهم وأشياعهم أن تأخر وقوعها دليل على اليأس منها لأنهم يتوهمون أنهم إذا فعلوا ذلك مع الرسول صلىاللهعليهوسلم لو كان صادقا لحمي غضب الله مرسله سبحانه فبادر بإراءتهم العذاب وهم يتوهمون شئون الخالق كشئون الناس إذا غضب أحدهم عجّل بالانتقام طيشا وحنقا قال تعالى : (لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً) [الكهف : ٥٨].
فلا جرم لما قضي حق الاستدلال على إمكان البعث بإقامة الدليل وضرب الأمثال ، وعرض بعقاب الذين استحقوا بها في قوله : (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى) [النازعات : ٣٤] ، كان ذلك مثارا لسؤالهم أن يقولوا : هل لمجيء هذه الطامة الكبرى وقت معلوم؟ فكان الحال مقتضيا هذا الاستئناف البياني قضاء لحق المقام وجوابا عن سابق الكلام.
فضمير «يسألون» عائد إلى المشركين أصحاب القلوب الواجفة والذين قالوا : (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) [النازعات : ١٠].
وحكي فعل السؤال بصيغة المضارع للدلالة على تجدد هذا السؤال وتكرره.
والساعة : هي الطامة فذكر الساعة إظهار في مقام الإضمار لقصد استقلال الجملة بمدلولها مع تفنن في التعبير عنها بهذين الاسمين (الطَّامَّةُ) [النازعات : ٣٤] و (السَّاعَةِ) و (أَيَّانَ مُرْساها) جملة مبينة للسؤال.
و (أَيَّانَ) اسم يستفهم به عن تعيين الوقت.