وفي إضافة (مُنْذِرُ) إلى (مَنْ يَخْشاها) أو نصبه به إيجاز حذف تقديره : منذرها فينتذر من يخشاها ، وقرينة ذلك حاليّة للعلم المتواتر من القرآن بأن النبيصلىاللهعليهوسلم كان ينذر جميع الناس لا يخص قوما دون آخرين فإن آيات الدعوة من القرآن ومقامات دعوة النبي صلىاللهعليهوسلم لم تكن إلا عامة. ولا يعرف من يخشى الساعة إلا بعد أن يؤمن المؤمن ولو عرف أحد بعينه أنه لا يؤمن أبدا لما وجهت إليه الدعوة ، فتعين أن المراد : أنه لا ينتفع بالإنذار إلا من يخشى الساعة ومن عداه تمرّ الدعوة بسمعه فلا يأبه بها ، فكان ذكر (مَنْ يَخْشاها) تنويها بشأن المؤمنين وإعلانا لمزيتهم وتحقيرا للذين بقوا على الكفر قال تعالى : (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ) [فاطر : ٢٢ ، ٢٣].
وعلى هذا القانون يفهم لما ذا وجه الخطاب بالإيمان إلى ناس قد علم الله أنهم لا يؤمنون ، وكشف الواقع على أنهم هلكوا ولم يؤمنوا مثل صناديد قريش أصحاب القليب قليب بدر مثل أبي جهل والوليد بن المغيرة ، ولما ذا وجه الخطاب بطلب التقوى ممن علم الله أنه لا يتقي مثل دعّار العرب الذين أسلموا ولم يتركوا العدوان والفواحش ، ومثل أهل الردة الذين لم يكفروا منهم ولكنهم أصرّوا على منع الزكاة وقاتلهم أبو بكر رضياللهعنه ، فمن مات منهم في ذلك فهو ممن لم يتق الله لأن ما في علم الله لا يبلغ الناس إلى علمه ولا تظهر نهايته إلا بعد الموت وهي المسألة المعروفة عند المتكلمين من أصحابنا بمسألة الموافاة.
(كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (٤٦))
جواب عما تضمنه قوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) [النازعات : ٤٢] باعتبار ظاهر حال السؤال من طلب المعرفة بوقت حلول الساعة واستبطاء وقوعها الذي يرمون به إلى تكذيب وقوعها ، فأجيبوا على طريقة الأسلوب الحكيم ، أي إن طال تأخر حصولها فإنها واقعة وأنهم يوم وقوعها كأنه ما لبثوا في انتظار إلا بعض يوم.
والعشية : معبر بها عن مدة يسيرة من زمان طويل على طريقة التشبيه ، وهو مستفاد من (كَأَنَّهُمْ) ، فهو تشبيه حالهم بحالة من لم يلبث إلا عشية ، وهذا التشبيه مقصود منه تقريب معنى المشبّه من المتعارف.
وقوله : (أَوْ ضُحاها) تخيير في التشبيه على نحو قوله تعالى : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) في سورة البقرة [١٩]. وفي هذا العطف زيادة في تقليل المدة لأن حصة الضحى