ليس محمولا عليك ، أي لست مؤاخذا بعدم اهتدائه حتى تزيد من الحرص على ترغيبه في الإيمان ما لم يكلفك الله به. وهذا رفق من الله برسوله صلىاللهعليهوسلم.
[٨ ـ ١٠] (وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (٨) وَهُوَ يَخْشى (٩) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (١٠))
عطف على جملة (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى) [عبس : ٥] اقتضى ذكره قصد المقابلة مع المعطوف عليها مقابلة الضدين إتماما للتقسيم. والمراد : بمن جاء يسعى : هو ابن أم مكتوم ، فحصل بمضمون هذه الجملة تأكيد لمضمون (عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) [عبس : ١ ـ ٢].
والسعي : شدة المشي ، كنّي به عن الحرص على اللقاء فهو مقابل لحال من استغنى لأن استغناءه استغناء الممتعض من التصدّي له.
وجملة (وَهُوَ يَخْشى) في موضع الحال ، وحذف مفعول (يَخْشى) لظهوره لأن الخشية في لسان الشرع تنصرف إلى خشية الله تعالى.
والمعنى : أنه جاء طلبا للتزكية لأن يخشى الله من التقصير في الاسترشاد. واختير الفعل المضارع لإفادته التجدد.
والقول في (فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) كالقول في : (فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) [عبس : ٦].
والعبرة من هذه الآيات أن الله تعالى زاد نبيئه صلىاللهعليهوسلم علما عظيما من الحكمة النبوية ، ورفع درجة علمه إلى أسمى ما تبلغ إليه عقول الحكماء رعاة الأمم ، فنبهه إلى أن في معظم الأحوال أو جميعها نواحي صلاح ونفع قد تخفى لقلة اطرادها ، ولا ينبغي ترك استقرائها عند الاشتغال بغيرها ولو ظنه الأهم ، وأنّ ليس الإصلاح بسلوك طريقة واحدة للتدبير بأخذ قواعد كلية منضبطة تشبه قواعد العلوم يطبقها في الحوادث ويغضي عما يعارضها بأن يسرع إلى ترجيح القويّ على الضعيف مما فيه صفة الصلاح ، بل شأن مقوّم الأخلاق أن يكون بمثابة الطبيب بالنسبة إلى الطبائع والأمزجة فلا يجعل لجميع الأمزجة علاجا واحدا بل الأمر يختلف باختلاف الناس. وهذا غور عميق يخاض إليه من ساحل القاعدة الأصولية في باب الاجتهاد القائلة : إن المجتهد إذا لاح له دليل : «يبحث عن المعارض» والقاعدة القائلة : «إن لله تعالى حكما قبل الاجتهاد نصب عليه أمارة وكلف المجتهد بإصابته فإن أصابه فله أجران وإن أخطأه فله أجر واحد».
فإذا كان ذلك مقام المجتهدين من أهل العلم لأنه مستطاعهم فإن غوره هو اللائق